تساؤلات حول السياسة الأمريكية حيال إيران

تساؤلات حول السياسة الأمريكية حيال إيران

المغرب اليوم -

تساؤلات حول السياسة الأمريكية حيال إيران

بقلم - عريب الرنتاوي

ثمة الكثير من الكلام الأميركي المندد بإيران والمشبع بكل ألوان العداء لنظامها، لكن القليل من الإجراءات قد تم اتخاذها بالفعل حتى الآن، فهل نحن أمام “زوبعة كلامية”، قد تنتهي لأن تكون “زوبعة في فنجان”، أم أن الأشهر والسنوات الأربع القادمة، ستحمل معها جديداً على هذا الصعيد؟ ... كيف وأين سترد واشنطن على طهران؟ ... هل المواجهة حتمية أم أننا أمام عملية “فرد عضلات” هدفها – ربما – استنزاف خصوم إيران وتفريغ صناديقهم السيادية واحتياطياتهم الاستراتيجية؟ ... هل سيخوض ترامب غمار المواجهة مع “المرشد” من منطلق إيديولوجي، أم أنه سيدير المعركة بعقلية “البيزنس”، وإن تغلب “رجل الأعمال” على “الرئيس” في أدائه، هل يمكن أن نشهد يوماً على انفتاح أمريكي على إيران، طمعاً في عقود وصفقات وأسواق، تعود على الولايات المتحدة، بالخير العميم؟

أسئلة وتساؤلات، تشغل بال المهتمين الغارقين في تتبع سيل التصريحات الأمريكية الذي لا ينقطع ضد طهران، ولكن من دون إجابات قطعية حتى الآن ... ويزيد الطين بلة أن واشنطن تحت إداراتها الجديدة، لا تكف عن ارسال الإشارات المتناقضة في هذا الصدد، وتقول الشيء ونقيضه، او تقول الشيء وتفعل نقيضه، فكيف ذلك، سيما واننا امام رئيس يدير سياسة بلاده الخارجية عبر تطبيق “تويتر”؟!

الخطوة العملية الوحيدة التي اتخذها ترامب ضد إيران تمثلت في إصداره أمراً بتوسيع العقوبات على عدد من الشركات والأفراد المتهمة بالإرهاب، من بينها مؤسسات وأفراد من لبنان وسوريا، وليس من إيران وحدها، ومن يدقق في القائمة وتداعياتها، يشعر أنها مثيرة للسخرية، وليست مدعاة لقلق أي من الأطراف المشمولة بها، والمؤكد أن القيادة الإيرانية، نامت ملء أجفانها بعد صدور القائمة، من دون أي أعراض للقلق والتوتر.

لكن في المقابل، وفيما كانت الأنظار تتجه صوب البيت الأبيض وما الذي سيقرره بشأن صفقة طائرات البوينغ التي تعاقدت عليها طهران مع عملاق الصناعات الجوية الأمريكية (80 طائرة من طرازات مختلفة بقيمة 17 مليار دولار)، رأينا “رجل الأعمال” يتحرك في داخل ترامب، وليس الرئيس، فيعطي ضوءًا أخضر لإتمام الصفقة، خشية أن تلجأ طهران إلى استبدالها بصفقة موسعة مع “إير باص” الأوروبية، منافس بوينغ على سوق الملاحة الجوية.

الغريب أنه في الوقت الذي تُشن فيه أشد الحملات ضراوة ضد طهران وبرنامجها النووي ودورها الإقليمي، نرى واشنطن هي من تتراجع عن موقفها المتشدد من البرنامج الذي تعهد ترامب – المرشح بإلغائه أو الانسحاب منه إن تعذر تعديله، ونرى أن قوات النخبة الأمريكية وسلاح الجو الأمريكي، يقاتل جنباً إلى جنب مع “حلفاء طهران” في الموصل وغيرها، بل ويوفر لهم الدعم الجوي الكثيف، ويعتبر ذلك انتصاراً لواشنطن في حربها ضد الإرهاب ... ونرى الجنرال ستيفين تاونسند يحارب كتفاً إلى كتف مع الجنرال قاسم سليماني، ضد تنظيم داعش، حتى وإن تم ذلك من خنادق ومحاور منفصلة، بيد أنها متكاملة وتندرج في سياق الخطة الاستراتيجية ذاتها.

والأهم من هذا وذاك، أن عراق ما بعد داعش، لن يدين بالولاء لواشنطن فثمة حقائق إيرانية صلبة بنيت خلال أزيد من عشر سنوات في بلاد ما بين النهرين، تجعل إيران وليس الولايات المتحدة، هي المرشحة عبر حلفائها، لملء الفراغ الناجم عن هزيمة داعش ... أما في سوريا، وإن كانت الصورة أكثر تعقيداً، إلا أن إيران ما زالت تلعب دوراً أكبر من ذاك الذي تلعبه واشنطن في تقرير وجهة التطورات الميدانية، واستتباعاً السياسية، في هذا البلد المنكوب بحروبه وحروب الآخرين عليه.

أين سترد واشنطن على إيران، وما هي أدواتها لذلك؟ ... طالما أن الولايات المتحدة لا تمتلك - لأسباب عديدة ليس هنا مجالاً لشرحها وتوضيحها - خيار “الضربة العسكرية المباشرة ضد إيران”، فإنها ستمضي على مسارين متوازيين: الأول، مسار العقوبات العبثية، وهي سلاح مثلوم بعد أن رفضت أوروبا وروسيا والصين التجاوب مع مسعى ترامب وتهديداته، وطالما أن إيران لا تخرق الاتفاق النووي وتلتزم بتنفيذ بنوده ... والمسار الثاني، مسار “حروب الوكالة”، هنا يبدو أن لطهران قدرة على التحمل و”النفس الطويل”، ولديها من الأوراق والأدوات، ما لا يتوافر لواشنطن، وفي معظم إن لم نقل جميع ساحات الصراع النازفة في المشرق والجزيرة العربيين.

ربما يكون اليمن، كما قلنا في مقال سابق، الساحة التي سيسعى ترامب لتحجيم إيران فيها، إرضاءً لحلفائه الخليجيين، سنرى تمديداً للمهل الزمنية المعطاة للتحالف العربي بقيادة السعودية لإنجاز المهمة، ولكنه لن يكون تمديداً مجانياً كما اتضح، ولن يكون مفتوحاً إلى الأبد، سيما مع اشتداد الضغوط الدولية المتأسسة على تزايد ثقل الملف الإنساني اليمني، والتي ستدفع ترامب لتفعيل مبادرة كيري – ولد الشيخ وإن بعد حين.

وربما تحاول واشنطن شق طرق التفافية حول النفوذ الإيراني في المنطقة، كأن تسعى لتقطيع “تواصله الجغرافي” من قزوين إلى المتوسط، وتحديداً في منطقة شمال العراق وشمال شرق سوريا، وقد تفعل أشياء أخرى لا نعرفها حتى الآن، لكننا لسنا من النوع المتطيّر بقدرة واشنطن على اجتراح المعجزات، بعد أن فشلت في آخر حربين كبريين لها، وكان فشلها ذريعاً وباهظ الكلفة.

على العرب، خصوصاً من أصحاب الأرصدة الفلكية أن يتنبهوا جيداً، وقبل خراب البصرة وفراغ الصناديق، فثمة في واشنطن من يعتقد أن الوقت قد حان لإعادة تدوير المال العربي، ليجد طريقه إلى بطون الشركات الأمريكية، وهي لعبة يجري تكرارها كل عقد أو عقدين من الزمان، منذ أن صار النفط سلعة استراتيجية، وفي ظني أن هناك من يتطلع لـ “شفط” ما تبقى من عوائد النفط العربية، نظير “ضريبة كلامية” غير مكلفة على الإطلاق، يدغدغ بها الهواجس والمشاعر، وبعد ذلك لكل حادث حديث.

وقد يكتشف السيد ترامب، وربما بأسرع مما نظن ويظن بعض القادة العرب، أن “عوائد التعاون” مع إيران أجدى لواشنطن من “فوائد العداء لها”، لكن الأمر سيحتاج لبعض الوقت للوصول إلى هذه الخلاصة، أقله لاستنفاذ ما تبقى من أموال النفط العربية في المرحلة الأولى، قبل التوجه لإبرام الصفقات والعقود مع إيران في مرحلة لاحقة ... مثل هذا السيناريو لا يجوز استبعاده بحال، سيما بوجود رئيس متقلب، لم يتقن شيئاً في حياته سوى إبرام العقود وإتمام الصفقات، ولم يترك حقلاً للتكسب دون أن يطرقه، من حلبات المصارعة إلى عروض ملكات الجمال.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تساؤلات حول السياسة الأمريكية حيال إيران تساؤلات حول السياسة الأمريكية حيال إيران



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 03:28 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يستقبل الرجاء الكوديم والوداد يواجه الفتح

GMT 03:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تواركة يعمق جراح شباب المحمدية

GMT 08:39 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البتكوين تتخطى 80 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها

GMT 02:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تسعى لشراء قمح في ممارسة دولية

GMT 19:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 00:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

دبي تعلن عن أكبر صفقة عقارية هذا العام بأكثر من 137 مليون دولار

GMT 15:58 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يسدد ديون الضمان الاجتماعي

GMT 06:55 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

طريقة عمل بروتين لشعرك من "المواد الطبيعة"

GMT 01:31 2023 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

آرون رامسديل يتعرض للانتقادات في آرسنال

GMT 20:41 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

غرف نوم باللون التركواز

GMT 03:47 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

ثعلب وسنجاب بطلا أفضل صورة للحياة البرية لعام 2019

GMT 11:48 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

شخصيات في حياة أحمد زكي والعندليب

GMT 00:01 2013 الأحد ,09 حزيران / يونيو

فقمة القيثارة مخلوق غريب لايتوقف عن الأبتسام

GMT 12:14 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السعادة المؤجلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib