نصف قرن من الركود  ربع قرن من الفوضى

نصف قرن من الركود .. ربع قرن من الفوضى

المغرب اليوم -

نصف قرن من الركود  ربع قرن من الفوضى

بقلم : عريب الرنتاوي

قضت المنطقة العربية أربعة أو خمسة عقود من الركود والاستنقاع، خلفت ما خلفت من خراب في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجرفت ما جرفت من مؤسسات وبنى وهياكل وأحزاب ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني … وجوفت ما جوفت من أوجه حياتنا الثقافية والعلمية والتربوية والسلوكية … وها نحن اليوم، نحصد ما زرع جيل الآباء والأجداد من بذور الخراب والتخريب … دولٌ فاشلة وأخرى على حافة الفشل، ومجتمعات منقسمة على نفسها، وحروب أهلية باردة وساخنة متناسلة، لا يكاد ينجو مجتمع واحد من ذيولها وتداعياتها، وتدخلات إقليمية ودولية، أحالت المنطقة برمتها، إلى ملعب كبير لصراع الإرادات والمصالح وحروب الأصالة والوكالة.

وسوف يتعين على أهل هذه المنطقةالعيش لعشرين، وربما لثلاثين سنة قادمة، في ظل إقليم مضطرب … فلا حل في المدى المنظور أو المتوسط للقضية الفلسطينية، والقضيتان السورية والعراقية، لم توضعا أصلاً على سكة الحل، وقد تحتاجان لسنوات قبل أن تنضج شروط “التسويات الكبرى” فيهما، وسيحتاجان لعدة عقود من الزمان – ربما- من أجل إعادة البناء وترميم ما تهدم في البنى المادية والروحية للمواطن والمجتمع.

مصر، لا تسير في الاتجاه الصحيح، فلا أفق لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تسير من سيء إلى أسوأ … ولا أفق مرئياً لاستئناف مسارات الإصلاح والتحول الديمقراطي… والغضب الشعبي على النخب الحاكمة، مرشح للانفجار، وربما على شكل ثورة جديدة، ستكون الثالثة في غضون أقل من خمسة أو ستة أعوام … الخراب المقيم والمتراكم في مصر، يجعل مهمة “الحكم” فيها، أقرب ما تكون إلى “المقامرة” غير محسوبة العواقب … والمستقبل محمّل بنذر مختلفة، ليست “وردية” في معظمها.

أما انهيار أسعار النفط خلال العامين الفائتين، فقد أذن بزوال عصر الدولة الريعية، والتسارع المدهش في عالم “الطاقة الخضراء والبديلة” يسمح بشتى العواقب والاحتمالات، فالمكانة العالمية لمجموعة الدول المصدرة، في تراجع، والعصر النفطي إلى أفول حتى وإن ظلت الآبار مليئة بالنفط، تماماً مثلما انتهى العصر الحجري والعالم مليء بالحجارة على حد قول أحدهم … ودول النفط العربية، تستبطن في دواخلها، أزمة هوية وأزمات حكم وصراع أجيال، ترشحها لمواجهة أكثر السيناريوهات فزعاً: سيناريو “الفوضى الخلاقة”، وسيزداد هذا السيناريو ترجيحاً في تناسب عكسي مع مؤشر أسعار النفط وحجم العائدات التي يدرها، كما تزداد حالة “الانكشاف” خطورة، كلما تآكلت المكانة الدولية لهذه المجموعة من الدول… أما الدول العربية المستهلكة للنفط، فحالها لن يكون أفضل، انخفاض فاتورتها النفطية خبرٌ حسنً، يتبعه خبر سيء يتعلق بعودة مئات ألوف العاملين في الخليج وانهيار المساعدات والتحويلات على حد سواء.

الجوار الإقليمي للعالم العربي، يزداد توحشاً وشراسة، كلما لاحت في الأفق فرصة لـ “تقاسم تركة الرجل العربي المريض” … إسرائيل تعيش عصرها الذهبي، وهي موقنة بأنها قادرة على ابتلاع أرض الفلسطينيين وحقوقهم ومقدسات المسلمين، من دون أن تلقى العقاب المناسب، بل ومن دون أن تستثير ردود أفعال ذات مغزى … تركيا تتحدث بصراحة، أقرب للوقاحة، عن فتح “معاهدة لوزان” من جديد، عين على الموصل وأخرى على حلب، من دون أن تنسى كركوك وما ورائها وما بعدها، من “إرث” السلاجقة والعثمانيين.

أما إيران، فهي تعيد انتاج “حرسها الثوري” في أكثر من بلد عربي، وتفاخر بـ “احتلالها” أربع عواصم عربية … وهي تبحث عن “تواصل جغرافي” يمتد من طهران إلى الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط، وجنرالاتها يسابقون دبلوماسييها وشيوخها، في تعزيز قواعد نفوذها وسيطرتها، وهي تحل محل بعض اللاعبين الدوليين في عدد متزايد من الدول العربية، التي بات قرار الحرب والسلام فيها، يمر بطهران أو يعرّج عليها.

لكن دول الجوار الإقليمي للعالم العربي، معرضة بدورها للإصابة بذات الفيروس الذي أطاح بدولنا تباعاً ويتهدد بقيتها … فهي مصابة بموجة “انبعاث الهويات الفرعية”، ومضروبة برياح “التطرف والغلو”، وتتحكم النزعات الدينية من طائفية ومذهبية، إسلامية ويهودية، بمفاصل عديدة في بنية الدولة والمجتمع، وتجنح نحو أنماط من الاستقطاب والإقصاء، سيكون لها ما بعدها، على وحدة هذه المجتمعات وسيادة تلك الدول وطبيعة الأنظمة السياسية فيها، وإن بأشكال متفاوتة، وبتسارع متباين، وسياقات مختلفة.

لقد “هدأ” هذا الإقليم طويلاً حد الموات، فما أن خرج “مارد التغيير” من قمقمه حتى بات من المستحيل إعادته إليه … لقد تغيرت قواعد اللعبة وخرجت عن السيطرة … وانظروا كيف يتحول “اللاعبون اللادولاتيون” إلى قوى يصعب التحكم بها أو السيطرة عليها … انظروا كيف يفعل “مبدأ الدومينو” فعله في مجتمعاتنا ودولنا … إسرائيل تعجز عن اجتثاث حماس او حزب الله … والتحالفات الدولية تعجز عن استئصال شأفة “داعش” و”النصرة” … والماكينة العسكرية السعودية – الخليجية – الجبارة، تعجز عن اجتثاث الحوثي … وجيش مصر، صانع نصر أكتوبر، عاجز عن تطهير “ولاية سيناء” … والحشد الشعبي، وبدرجة أقل العشائري، هو (هما) مشكلة العراق اللاحقة، بعد أن صار الأول جيشاً لا يقل عدة وعديداً عن الجيش النظامي … وحزب الله أقوى من الدولة اللبنانية، وحماس أقوى من السلطة الفلسطينية، والحوثيين أقوى من اليمن … والمعارضات السورية بمسمياتها المختلفة أقوى من النظام … ومن يتأمل طويلاً في صفحات من مستقبل هذه المنطقة، سيضيف أسماء عديدة إلى اللائحة المذكورة، وفي دول عديدة، ظننا لبعض الوقت، أنها لن تعرف التغيير أو الاضطراب.
إقليم مضطرب حتى إشعار آخر، وعلينا أن نبني حساباتنا على هذا الأساس.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصف قرن من الركود  ربع قرن من الفوضى نصف قرن من الركود  ربع قرن من الفوضى



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 03:28 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يستقبل الرجاء الكوديم والوداد يواجه الفتح

GMT 03:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تواركة يعمق جراح شباب المحمدية

GMT 08:39 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البتكوين تتخطى 80 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها

GMT 02:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تسعى لشراء قمح في ممارسة دولية

GMT 19:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 00:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

دبي تعلن عن أكبر صفقة عقارية هذا العام بأكثر من 137 مليون دولار

GMT 15:58 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يسدد ديون الضمان الاجتماعي

GMT 06:55 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

طريقة عمل بروتين لشعرك من "المواد الطبيعة"

GMT 01:31 2023 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

آرون رامسديل يتعرض للانتقادات في آرسنال

GMT 20:41 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

غرف نوم باللون التركواز
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib