مقهى ويستفاليا

مقهى ويستفاليا

المغرب اليوم -

مقهى ويستفاليا

سمير عطاالله
سمير عطاالله

أبعد الخوف من الوباء الناس عن المقاهي التي صُنفت أماكن مغلقة. وأحزنت الإجراءات الصحية صناعة الخمول اللذيذ هذه، خصوصاً في باريس. والباريسيون لا يذهبون إلى المقاهي ولعاً بها، بقدر ما هو هرب من بيوتهم الصغيرة التي تباع بالقطع، لا بالغرف. الإعلان لا يقول. شقة من ثلاث غرف وحمام، بل ثلاث قطع ونصف. والنصف هو الحمام. وأحياناً يحسب معها مدخل الدرج، وفقاً لقانون «كاريز».

حبست «كورونا» الناس في قِطعها وأبعدتها، عن مقاهيها الجميلة. لكن البلدية اضطرت إلى توسيع حصة المقاهي بالأرصفة التي غيرت وجه المدينة: رصيف خشبي إضافي أمام الرصيف الأب. وزبائن قدامى وجدد. وعندما ترمي باريس عنها مظلتها الرمادية، يخرج أهلها إلى الشمس بسرعة قبل أن تعود إلى عادتها القديمة: السماء الرمادية، ولا شمسي ولا قمري، كما قال الأخطل الصغير.

هذه السنة أمطرت في أغسطس (آب) وأشرقت شمس سبتمبر (أيلول). وامتلأت الأرصفة الإضافية. وخرقتُ عادة – أو تعوّد – الامتناع عن المقاهي واتخذت لنفسي مقعداً يطل على برج إيفل. وبدت باريس كما كانت في أغنية جاك ديترونك، الذي من زمن شبابنا: «إنها الساعة الخامسة. باريس تستفيق».
تمر أمام المقهى وجوه من ملامح جميع أهل الأرض. ويجلس فيه المسنون وقراء الصحف وذوات الحسن أهل الحي والغرباء. وينقضي الوقت وفقاً للتقاليد والاتفاقيات المعقودة: لا هو يشعر بوجودك ولا أنت تشعر بمروره.

من قرأ بعضاً أو كلاً أو شيئاً من الرفوف التي كتبها هنري كيسنجر، يرى أنه يعيد كل شيء إلى اتفاقية ويستفاليا، الموقعة العام 1648. أو اتفاقيتين. لكن تكتشف أيضاً أن المنطقة المعروفة بهذا الاسم تركيبة جغرافية من تراكيب وكراكيب الحروب والسلم. لكن الدكتور كيسنجر أراد، فيما أراد، أن يدور تاريخ العالم، قديمه وحديثه، حول الموضوع الذي وضع عنه أطروحة الدكتوراه. والأرجح أن رئيسه نيكسون، أو وزيره وليم روجرز، لم يكونا قادرين على مناقشته في الموضوع. لذلك أحرقت كمبوديا فيما كان الدكتور يكمل حديثه عن ويستفاليا.

وهذا ما يحدث معي كلما عدت إلى لقاء الأصدقاء في باريس. كل واحد منهم يضع دفتر ذكرياته على الطاولة ويروح يتذكر أيام ويستفاليا. وحربها. وسلمها. وأحياناً يتحدث عنها باعتبارها كانت من شقراوات السين، وأحياناً باعتبارها سائحة من الأرجنتين لها قرابة عائلية مع تشي غيفارا. الأكثر صدقاً بين الرفاق هذه الأيام، هو الذي ينعس ثم يغفل قليلاً ويفيق مستحياً، يريد استئناف الحكي عن «ويستفاليا»: أيوه، شباب، وين كنا؟ يُطرب «الشباب» لهذا اللقب الذي لم يسمعوه منذ توقيع اتفاقية ويستفاليا الثانية. وأمتع ما يطرب الإنسان هو الإطراء الكاذب. هنري كيسنجر لم يعد يكتفي بأنه مفكر كبير، بل صدق أنه دون جوان العصر. ولا تزال أميركا تدفع ثمن الكذبتين: ويستفاليا والوسامة. وكم يبدو زهيداً ثمن القهوة الذي يدفعه «الشباب»، قبل أن تدركهم الساعة الخامسة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقهى ويستفاليا مقهى ويستفاليا



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
المغرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 03:28 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يستقبل الرجاء الكوديم والوداد يواجه الفتح

GMT 03:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تواركة يعمق جراح شباب المحمدية

GMT 08:39 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البتكوين تتخطى 80 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها

GMT 02:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تسعى لشراء قمح في ممارسة دولية

GMT 19:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 00:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

دبي تعلن عن أكبر صفقة عقارية هذا العام بأكثر من 137 مليون دولار

GMT 15:58 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يسدد ديون الضمان الاجتماعي

GMT 06:55 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

طريقة عمل بروتين لشعرك من "المواد الطبيعة"

GMT 01:31 2023 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

آرون رامسديل يتعرض للانتقادات في آرسنال

GMT 20:41 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

غرف نوم باللون التركواز

GMT 03:47 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

ثعلب وسنجاب بطلا أفضل صورة للحياة البرية لعام 2019

GMT 11:48 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

شخصيات في حياة أحمد زكي والعندليب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib