قرار ديبلوماسي

قرار ديبلوماسي

المغرب اليوم -

قرار ديبلوماسي

بقلم: بدر الدين الإدريسي

بصرف النظر عن الصيغة التي انتقاها، وكم المبررات التي ساقها السيد رشيد الطالبي العلمي وزير الشباب والرياضة، ليكشف في التوقيت الحاسم عن قرار المغرب بعدم الترشح لتنظيم كأس إفريقيا للأمم 2019، بعد سحبها من الكامرون، فإن هذا القرار تأسس على خلفيات ديبلوماسية صرفة، ولنا في الوقائع وفي كل ما يتحرك في الكواليس السياسية ما يقوي هذه الفرضية.

قد نكون تحمسنا لأن تأتي الكأس الإفريقية للمغرب في هذا التوقيت بالذات، لعلها تطفئ لظى القلب بعد الذي حدث قبل ثلاث سنوات و«الكاف» يجرد المغرب من تنظيم كأس إفريقيا للأمم 2015، وقد رفض كليا القبول بدواعي المغرب لتأجيل تلك النسخة، وقد نكون منينا النفس كما الأفارقة بأن يتصدى المغرب لتنظيم بطولة قارية تراهن الكونفدرالية الإفريقية على إخراجها بشكلها الجديد بأبهى صورة ممكنة، وقد يكون العالم كله وبخاصة أشقاءنا الأفارقة قد رأوا في المغرب البلد المثالي لتنظيم كأس إفريقية تثور بشكل كبير على النمطية التي طبعت نسخها الأخيرة، ولكن زاوية المعالجة السياسية وبخاصة الديبلوماسية، تختلف في درجات الإرتفاع والشمولية عن الزاوية العاطفية أو الوجدانية التي نرى منها الأشياء، لذلك اقتضت الأبعاد والحمولات السياسية للمقاربة التي يصوغ بها المغرب بعده الإفريقي اليوم، أن لا يتصدى لتنظيم كأس إفريقيا للأمم، وهو في ذلك ينتصر للحكمة التي طبعت على الدوام قرارته الإستراتيجية الكبرى، بخاصة تلك التي تتصل بمحيطه الإفريقي.

كان بإمكان رشيد الطالبي العلمي، أن لا يصمم أصلا هذه الخرجة الإعلامية التي تعبر في النهاية عن موقف سياسي وسيادي، وما كان يجبره شيء على أن يأتي بتلك التبريرات، فلا المغرب كشف في أي وقت من الأوقات عن نيته للترشح وما عرضت الكونفدرالية الإفريقية هذا الأمر عليه إنقاذا للموقف، إلا أنه كان ضروريا أن يطلع وزير الشباب والرياضة بذاك التصريح القوي، الذي بلغ العالم والأفارقة تحديدا، بقرار كانت صدمته القوية دليلا على قوة وحكمة مضمونه، للأسباب التي سآتي على ذكرها.

والكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم تنتهي إلى ما كان متوقعا من الجميع، سحب تنظيم كأس إفريقيا للأمم 2019 من الكامرون، جزم الكل بأن «الكاف» تملك مسبقا البديل المثالي، أو أنها ما تشجعت على تأخير قرارها بسحب التنظيم من الكامرون، إلا لأنها توصلت بإشارات قوية من المغرب تفيد بجاهزيته ليكون الخيار الجيد، واختلف الأشقاء الأفارقة في تقديم التعليلات لهذا الأمر، فمنهم من اعتبر أن المغرب يمثل بشبكة الملاعب الجيدة التي بات يتوفر عليها، خيارا جيدا لإنجاح «الكان» القادم، ومنهم من جنح بخيالاته إلى ما يصيب المغرب بأذى كبير ويحمله ما لا يمكن أن يحتمله، عندما صوره كبلد مهيمن ومحتكر، يبتلع في طريقه كل شيء، بل ويجهز على أحلام الآخرين، ومنهم من ربط بين قرار سحب تنظيم «الكان» من الكامرون وبين وجود فوزي لقجع رئيس الجامعة بداخل تنفيذية «الكاف»، ليدعي أن ما سمي تجاوزا بالمؤامرة ضد بلاد الأسود غير المروضة، تم نسج خيوطها بتدبير من لقجع، لذلك احتاج الوضع إلى معالجة، هي أصلا بمقدار الحكمة والكياسة الديبلوماسية التي عالج بها المغرب كثيرا من القضايا من هذا الجنس.

وما بين تفعيل سياسة اليد الممدودة التي يقوم عليها البعد الإفريقي الجديد للمغرب بالمساهمة اللامشروطة في إغاثة المؤسسات الإفريقية، وبين إلتزام المغرب القوي بالحفاظ على مصالح الغير وإبادة كل اعتقاد يقول بالهيمنة والإحتكار، جنح المغرب للخيار الذي قد ترفضه العواطف ولكن يوصي به العقل، خيار الإبتعاد كليا عن سباق تنظيم النسخة القادمة لكأس إفريقيا للأمم حفاظا على تحالفاته الإستراتيجية مع حلفاء وأصدقاء تاريخيين، ما تغير لهم لون ولا تبدل لهم موقف من كل المعارك الديبلوماسية التي خاضها المغرب من أجل صيانة مكاسبه وتحصين مصالحه الوطنية.

ما عاد مهما أن نناقش ما إذا كان وزير الشباب والرياضة قد أقنع أم لا، بخرجته الصحفية، توقيتها أو حتى مضمونها، فما يبدو جديرا بالقراءة والتحليل هو أن القرار، من جنس القرارات الصعبة التي قد نرفضها آنيا تحت تأثير العواطف، ولكن مع مرور الوقت سنقبل بها، لأنها قرارات انبنت على الحكمة واستحضرت مصلحة الوطن.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرار ديبلوماسي قرار ديبلوماسي



GMT 14:13 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نهاية شهر العسل

GMT 11:30 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

البطولة المنسية

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 18:23 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

يا آسفي علينا !!

GMT 19:54 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيخ كومارا استثناء والبقية في مهب الريح

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib