لرئيس صنع في فلسطين

لرئيس "صنع في فلسطين"

المغرب اليوم -

لرئيس صنع في فلسطين

بقلم : عريب الرنتاوي

إن جنح الرئيس الفلسطيني محمود عباس للضغوط العربية الرامية إلى مصالحته مع محمد الدحلان، فإن من المؤكد أن يصبح “العقيد المنشق”، البعض يستخدم تعبير “العقيد الهارب”، هو الرئيس الفلسطيني المقبل، أو أقله “صانع الرؤساء الفلسطينيين” في المرحلة القادمة.

ربما المسألة تقرأ (أو لا تقرأ) هكذا من قبل الرئيس أبو مازن، سيما بعد تحوّل الخلاف بينه وبين الدحلان، إلى خلاف ذي طابع شخصي بالأساس ... لكن من يقرأ المشهد الفلسطيني بمستوياته المختلفة: فتح، السلطة والمنظمة، ومن يعرف حالة “التهرّؤ” التي تعيشها المؤسسة الفلسطينية، يدرك تمام الإدراك، أن الذين يدفعون باتجاه المصالحة بين عباس والدحلان، إنما يسعون من الآن، في ترتيب أوراق “مرحلة ما بعد عباس”، وثمة حكومات وعواصم عربية، معروفة ولا داعي لذكرها، تجهد في سبيل أن يكون لها الكلمة العليا في صياغة شكل ومحتوى المرحلة القادمة فلسطينياً.

بعض المراقبين عن كثب للمشهد الفلسطيني، بتداخلاته وتشعباته العربية والإقليمية، يظن أن “العداء للإخوان المسلمين، والإسلام السياسي عموماً”، يقف في خلفية المسعى العربي لتأمين انتقال السلطة في فلسطين إلى الدحلان ... هذا صحيح، وإن كان لا يختصر المسألة برمتها، فثمة بعد آخر لا يجب أن يغيب عن البال عند تفسير هذا المسعى المحموم، ويتصل بضيق بعض “عرب الاعتدال” من القضية الفلسطينية، ورغبتهم الجامحة في التخلص من أوزارها، علّ الوصول إلى حل، أي حل، لهذه القضية، يزيل آخر عقبة، على طريق “التطبيع” و”التحالف” استتباعاً، مع إسرائيل، للتفرغ لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة، إذ برغم كل ما قيل وما يمكن أن يقال، عن “سياسات عباس وتنازلاته”، إلا أن المعروض إسرائيلياً على الفلسطينيين، الآن وفي المستقبل، سيحتاج إلى قيادة “مطواعة”، تعرف تمام المعرفة، إن “شرعيتها” مستمدة من مدى تعاونها في تسويق الحل الإسرائيلي وتسويغه، وليس من إرثها النضالي أو شرعيتها الشعبية والنضالية.

قد تنجح المساعي العربية في تحقيق مبتغاها، وقد لا تنجح، لكن المؤسف أن الرئيس عباس، وهو الذي يعرف دقائق الترتيبات التي يجري إعدادها في الخفاء للمرحلة المقبلة، لا يحرك ساكناً لجهة ترتيب الفلسطيني الداخلي ... فالوضع في فتح والسلطة والمنظمة، لا يبشر بأي خير، وصراع “الإخوة الأعداء” لم يعد مقتصراً على فتح وحماس، بعد أن انتقل إلى داخل رام الله والضفة الغربية، والتنافس في المرحلة القادمة سيكون بين “قامات متساوية” بغياب “رقم 2” المعترف به، وفي ظل ضعف المؤسسية الفلسطينية التي تضمن انتقالاً سلساً وطبيعياً للسلطة عبر مختلف مستوياتها.

لقد ناشدنا الرئيس عباس، أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، أن يكرس ما تبقى له من وقت ومن طاقة على العمل، من أجل ترتيب بيت فتح والسلطة والمنظمة، باعتبار ذلك أولوية كبرى من جهة، وهدفا قابلا للتحقيق، وبيده أمر تحقيقه من جهة ثانية، وأن يكف عن مطاردة “خيوط الدخان” التي تلوح في الأفق، مع كل مبادرة أو تحرك، يصدر عن هذه العاصمة العربية أو تلك العاصمة الدولية ... لكن الرئيس، شأنه في ذلك شأن معظم الحكام العرب، الذين يضيقون ذرعاً بـ “الرقم 2”، ولا يحبون أن يجلس أحدٌ بجوار مقعدهم الرئاسي، ويعتقدون أنهم مخلدون، حتى وإن بلغوا من الكبر عتيا.

لا شك أن العقيد الدحلان، نجح بدعم عربي مكشوف، في تشكيل بنية تحتية لنفوذه، وفي مختلف التجمعات الفلسطينية، داخل الوطن وخارجه، في فتح والسلطة والمنظمة، وخارجها ... لكن القرارات والأحكام التي تطارده بتهم شتى، ستبقى حائلاً دون وصوله إلى مبتغاه، ووحدها المصالحة مع الرئيس عباس، التي ستسقط معها كافة التهم والأحكام، وتعيد الرجل إلى وضعه السابق، ستفتح له ما تبقى من أبواب مغلقة، وتؤهله للقيام بدور “حاسم” في النظام السياسي الفلسطيني، مدعوماً بقوة عربية مؤثرة وفاعلة ... وإن ارتضى الرجل التواضع والنزول عن كرسي الرئاسة لغيره من حلفائه، لأسباب تتصل بسجله المثير للشقاق والخلاف داخلياً، فلن يرتضي بأقل من دور “صانع الرؤساء”، وثمة كثيرون على الساحة الفلسطينية، كما بقية الساحات العربية، من يرتضي أن يكون رئيساً للدولة أو الحكومة، تاركاً سلطاته وصلاحياته و”ولايته” لغيره، إن كان لا بد مما ليس منه بُدّ.

الكرة في ملعب عباس، ونرجو ألا يقذفها بمجرد نفي وجود خلافات داخل فتح، والاكتفاء بتسطير رسائل الطمأنينة، فتلك وسائل لم تعد مجدية، وقد استنفذت أغراضها ... المطلوب أبعد من ذلك وأعمق ... المطلوب وضع النظام السياسي الفلسطيني على سكة “ما بعد عباس”، وإتمام كافة الترتيبات لنقل السلطة، بعد عمر طويل، بصورة سلسلة وطبيعية، تحفظ القرار الفلسطيني المستقل، وتقطع الطريق على التدخلات الخارجية في الشؤون الفلسطينية، وتعيد لقيادة الشعب الفلسطيني هيبتها واحترامها.

الفلسطينيون يريدون رئيساً “صنع في فلسطين”، غير متورط بنزاعات المنطقة وحروبها البينية، قراره مستقل، وليس مديناً لأحد لما هو فيه وعليه ... رئيس يستمد شرعيته من إرثه النضالي في صفوف شعبه، وليس من رضا هذه العاصمة أو ذلك الجهاز عليه ... رئيس ما زال يؤمن بأن إسرائيل هي العدو الأول، ويستذكر صبح مساء، بأنها هي، وليس أحدا غيرها، من يحتل الأرض ويستوطنها ويشتت شعبها ويحاصره ويقضم حقوقه الوطنية بالجملة والمفرق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لرئيس صنع في فلسطين لرئيس صنع في فلسطين



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

إطلالات حمراء جريئة للنجمات على سجادة مهرجان البحر الأحمر

الرياض ـ المغرب اليوم

GMT 07:54 2024 الخميس ,12 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لملابس تناسب شتاء 2025
المغرب اليوم - أفكار لملابس تناسب شتاء 2025
المغرب اليوم - مقتل 54 صحافياً في عام 2024 ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية

GMT 09:49 2024 الخميس ,12 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لتنظيم غُرفة النوم بطريقة تخلق أجواء هادئة ومريحة
المغرب اليوم - أفكار لتنظيم غُرفة النوم بطريقة تخلق أجواء هادئة ومريحة

GMT 16:08 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إنستغرام تتخلص من التحديث التلقائي المزعج عند فتح التطبيق

GMT 16:24 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الجدي" في كانون الأول 2019

GMT 06:43 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أمزازي يؤكد أن الإحباط يحدّ من الرقي بمستوى الجامعات

GMT 20:23 2017 الإثنين ,20 شباط / فبراير

محمد برابح ينتقل إلى فريق نيميخين الهولندي

GMT 01:58 2020 الإثنين ,30 آذار/ مارس

علامة صغيرة تشير إنك مصاب بفيروس كورونا

GMT 06:32 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم في إطلالة جذابة باللون الأسود

GMT 01:51 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين زفاف تُناسب شكل جسم العروس وتُظهر جمالها

GMT 14:27 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

محمود الخطيب يُشعل حماس لاعبي "الأهلي" قبل مواجهة "الترجي"

GMT 06:12 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"إيتون Eaton- واشنطن" عنوان مميَّز للفنادق الفخمة

GMT 14:01 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حياة "غريس موغابي" المرفهة تتحول إلى أمر صعب للغاية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib