النموذج الصيني بين الشيطنة والانبهار

النموذج الصيني.. بين "الشيطنة" و"الانبهار"

المغرب اليوم -

النموذج الصيني بين الشيطنة والانبهار

بقلم -عريب الرنتاوي

تقود الولايات المتحدة حملة عالمية هدفها "شيطنة" الصين، وصولاً إلى فرض مزيدٍ من العقوبات الاقتصادية والتجارية عليها ... حتى الآن، لا يبدو أن ثمة تجاوب دولي مع الحملة، لكن استمرار واشنطن بها وتصعيد وتائرها، قد يجذب بعض الدول المستتبعة إلى ميادينها وخنادقها.
 
في المقابل، تُطلق دولٌ وأنظمة وحكومات، عربية و"عالمثالثية"، حملة ترويج غير مسبوقة، للتجربة الصينية في التصدي لجائحة كورونا واحتواء تداعياتها... هذه الدول، تنبهت مسبقاً إلى هذا "النموذج" وسعت في تعميمه، ودائماً بهدف البرهنة على فرضية "أن تحقيق النمو الاقتصادي ممكن من دون أن يكون مشروطاً أو متبوعاً بإصلاح سياسي أو تحول ديمقراطي حقيقي".
 
المؤسف حقاً، أن إعلاماً ليبرالياً مناهضاً لترامب وسياساته الخرقاء قبل الجائحة وبعد اندلاعها، ينخرط بنشاط في حملة "شيطنة" الصين، مقدماً بذلك، عن قصد أو من دونه، أفضل خدمة لـ"الترامبية" وامتداداتها الغربية ... ومن أسفٍ كذلك، أن "تقدميين" و"ديمقراطيين" عرب، ما عادوا يترددون في البوح عن "عشقهم" للتجربة الصينية، من دون أدنى تدقيق أو تمحيص.
 
والحقيقة أن الصين بتجربتها قبل كورونا وبعدها، لا تستحق كل هذه "الشيطنة" ولا هي جديرة بكل هذا "الإطراء" ... فالذين يريدون أن يعلقوا تقصير حكوماتهم وإداراتهم (ترامب على وجه الخصوص) على المشجب الصيني هم الذين يبالغون في تحميل الصين، ما تحتمله وما لا تحتمله من مسؤوليات عن تفشي الفيروس وانتشار الوباء ... والذين يتهمون الصين بعدم الشفافية والافصاح عن الكارثة فور وقوعها، هم أنفسهم (ترامب شخصياً)، الذين تفادوا مكاشفة شعوبهم بمخاطر الكارثة، وهم الذين أظهروا تهاوناً واستخفافاً كارثيين، في التعامل مع الجائحة.
 
أما الذين لم يتوقفوا عن إبداء الدهشة والإعجاب بالتجربة الصينية، فهم مذاهب ومدارس ... بعضهم يصدر عن إفراط في الخوف والتخويف في تقدير حجم التحدي والكارثة، ويقامرون بتقديم اقتصادات بلدانهم قرباناً على مذبح "السلامة العامة" ... بعضهم الآخر، يصدر عن استصغار لقيم الحرية والديمقراطية، والنظر إليها بوصفها مجرد تفصيل يمكن الاستغناء عنه، عند أول منعطف وأقرب مفاضلة.
 
أما المدرسة الأعرض والأكثر نفوذها وانتشاراً، التي لا تكف عن التهليل والتكبير للتجربة الصينية، فهي المدرسة الدكتاتورية / الشمولية / الفردية، التي سعت قبل كورونا بزمن طويل، في الترويج لهذا النموذج، والفصل بين مساري الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي ... هنا، يمكن الإشارة إلى إيران وسوريا من قبل، كما يمكن الإشارة إلى تركيا من بعد، واستتباعا، إلى التيارات والأحزاب المجاميع التي تدين بالولاء لهذا المحور أو تلكم المدارس السياسية والفكرية.
 
كثيرون منّا توّاقون للإفلات من قبضة الهيمنة الأمريكية ونظام القطب الواحد، والصين أكثر من غيرها، هي المرشحة لكسر هذه المعادلة، وفرض تعددية قطبية، ترسي معالم نظام عالمي جديد ... هذا جيد، وضوء في نهاية نفق، لكننا في هذه المنطقة على وجه الخصوص، نحن الذين اكتوينا بنيران الركود والاستبداد والفساد، طوال سبعة عقود أو أزيد قليلاً، ولم نختبر قبلها سوى الاستعمار والانتداب المباشرين، علينا ألا نقع في الخطأ ذاته من جديد، فنجد أنفسنا مندفعين للهتاف للشمولية والديكتاتورية من جديدة، تارة تحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة/ المقاومة" وأخرى بفعل الهلع من تفشي الفيروس.
 
كورونا لحظة في تاريخنا، والاستثناء بسياساته وإجراءاته، لا يجب أن يتحول إلى قاعدة، والحكمة تقتضي كبح جماح حماستنا لتجارب شمولية، ستنتهي بحكم طبيعتها إلى جدار مسدود، مهما تطاولت في البنيان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النموذج الصيني بين الشيطنة والانبهار النموذج الصيني بين الشيطنة والانبهار



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 12:24 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن استعادة جثة رهينة من غزة في عملية خاصة
المغرب اليوم - نتنياهو يعلن استعادة جثة رهينة من غزة في عملية خاصة

GMT 15:04 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

شبيه عادل إمام يظهر في مسرحية منة شلبي "شمس وقمر"
المغرب اليوم - شبيه عادل إمام يظهر في مسرحية منة شلبي

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

النفط الإيراني يسجل أعلى مستوى أسعار للصين في 5 سنوات

GMT 08:54 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

البيتكوين تسجل مستوى غير مسبوق وتتجاوز مستويات 75 ألف دولار

GMT 00:35 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إيرادات مصر ترتفع 45% بالربع الأول من العام المالي

GMT 00:07 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أمريكا تمر بعجر تجاري يتسع بشكل حاد في سبتمبر

GMT 08:34 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الدولار يرتفع وسط تقارير عن تقدم ترامب في انتخابات أميركا

GMT 21:20 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع

GMT 23:55 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

"وول ستريت" ترتفع مع إدلاء الناخبين الأميركيين بأصواتهم

GMT 08:25 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الذهب يهبط مع ترقب المستثمرين نتيجة الانتخابات الأميركية

GMT 05:44 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الصين تقفز 12.7% ‏
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib