عن «المثلث» الروسي – التركي – الإيراني

عن «المثلث» الروسي – التركي – الإيراني

المغرب اليوم -

عن «المثلث» الروسي – التركي – الإيراني

بقلم : عريب الرنتاوي

واشنطن، واستتباعاً دول غربية عديدة، تبدي قلقاً شديداً من التقارب الروسي – التركي، مع أنها تدرك أن أنقرة لن تحلق بعيداً عن الفلك الأطلسي – الأمريكي، وأن مصالحها مع الغرب، وجوارها الأوروبي، سيمليان عليها التفكير مطولاً، قبل أن تفكر بالفكاك عن واشنطن وبروكسل ... مخاوف الغرب في الأساس، تكمن في نجاح بوتين في استمالة أهم قوتين إقليميتين في المنطقة: إيران وتركيا إلى جانبه.

ولأن الغرب ما زال مسكوناً بهواجس “الحرب الباردة” ومفردتها، نراه يتصرف بوحي من “عقدة بوتين” في السياسة الدولية ... كل ما يتحقق لروسيا من مكاسب على الساحة الدولية، وكل ما تسجله من نقاط لصالحها، هو بمثابة خسائر صافية للغرب، وكرات إضافية تستقر في ملاعبه، في إعادة فجّة وسافرة، لإنتاج “المعادلة الصفرية” في العلاقة بين الشرق والغرب كما تبلورت في زمن الحرب الباردة.

لو أن سلام سوريا والعراق، واستتباعاً، سلام الشرق الأوسط واستقراره، هو الأولوية الأولى للولايات المتحدة، لنظرت واشنطن بارتياح بالغ للتقارب بين موسكو وأنقرة ... فالتفاهمات الروسية – التركية، تعزز دور أنقرة في البحث عن حل سياسي للأزمة السورية، وتدور الزوايا الحادة في المواقف التركية من العراق ... بيد أن الغرب الذي صمت طويلاً عن تركيا وهي تفتح حدودها لمقاتلي “داعش” و”النصرة” وغيرهما من الجماعات الجهادية، يبدو اليوم أكثر قلقاً ونقداً للسياسة التركية، بل وينظر بعين الريبة والشك للتحولات التي تطرأ على السياسة الخارجية التركية.

ولأن العلاقات ما بين روسيا والغرب، ما زالت محكومة بمعادلات الحرب الباردة ونظرياته، فإن تقارب دولة بحجم تركيا وموقعها وعلاقاتها بالناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مع موسكو، من شأنه أن يعزز مكانة “القيصر” وأن يعظم دور روسيا في أزمات المنطقة، وتحديداً في سوريا، ويجعل منها اللاعب الرئيس على هذا المسرح الدامي المفتوح، وهو أمر لا تريده عواصم غربية عديدة.

ستنهال الانتقادات والاتهامات لتركيا، وتحديداً في ملف حقوق الانسان، مع أن هذا الملف منتهك على نحو فظيع منذ عامين أو ثلاثة أعوام على أقل تقدير ... وستتعرض أنقرة لضغوطات وإغراءات عديدة، لثنيها عن وجهتها الجديدة، أو على الأقل، لتفريغ علاقاتها مع الاتحاد الروسي من أية مضامين جوهرية ... وإذا كانت عضوية تركيا في الأوروبي، هي أولى ضحايا هذا التأزم في العلاقات الغربية – التركية، فإن إحجام واشنطن عن تسليم فتح الله غولن لتركيا، وهو أمر مرجح على أية حال، ستكون سببا في تعميق عناصر الشك والريبة بين الحليفتين الاستراتيجيتين، وبصورة تدفع على الاعتقاد، بأن هذه العلاقات، لن تعود إلى سابق عهدها ودفئها، أقله في السنوات القليلة القادمة.

في المقابل، ثمة من يعتقد بان تركيا تبالغ في توجيه الانتقادات للغرب وتحميله وزر المحاولة الانقلابية الفاشلة، بل واتهام عواصم بالصمت والتواطؤ،عن الانقلابيين ومعهم، وإدارة الظهر لحليف موثوق ولاعب رئيس في حلف شمال الأطلسي ... بل وهناك من يعتقد بأن أنقرة تتعمد فعل ذلك للفكاك من التزاماتها مع الأوروبيين والأمريكيين لغاية في نفس يعقوب، أو بالأحرى، لغاية في نفس “السلطان”، وهذه الغاية كما يقول خبثاء كثر، إنما تتمثل في ميل أنقرة الجارف للانتقال إلى نظام رئاسي مطلق، يهمش التعددية والديمقراطية التركية، ويرسي دعائم نظام الحزب الواحد والزعيم الأوحد، وأن تركيا التي تدرك مسبقاً أن سعيها هذا لن يلقى الترحيب في العواصم الأوروبية والأمريكية، آثرت نقل “مركز الثقل” في علاقاتها الدولية إلى دول لا تكترث عادة بملفات حقوق الإنسان، ولا تقيم وزناً للديمقراطية والتعددية، وهنا لن يجد رجب أردوغان حلفاء أكثر تفهماً وصمتا على التحولات التي يقودها، من روسيا وإيران.

وإذا أضفنا إلى ذلك، شبكات المصالح المتبادلة العميقة من اقتصادية وتجارية وأمنية عميقة، تشد هذه الأطراف بعضها إلى بعض، فإن كافة التقديرات تذهب لترجيح انبثاق جبهة جديدة أو محور جديد، يتكون منها ... إيران تسعى لتشكيل إطار أمني إقليمي خماسي انطلاقا من طهران، يجمع تركيا بروسيا وسوريا والعراق ... وموسكو، تسعى لمنح تركيا العضوية الكاملة في معاهدة شنغهاي، أو على الأقل، لا ترى ما يمنع ذلك ... ولا ندري ما هي الأطر والكيانات الإضافية التي ستجمع هذه الأطراف مع بعضها البعض مستقبلاً.

إزاء هذه التحولات الكبرى في المواقف والمواقع والاصطفافات، يبدو مستقبل الأسد، بمثابة تفصيل صغير من الممكن التوافق حوله وبشأنه، والدبلوماسية لن تعدم وسيلة للوصول إلى حلول و”مخارج”، وأحسب أن هذا “التفصيل” سيكون العنوان الرئيس على جداول أعمال اللقاءات المقبلة لدول المثلث الروسي – التركي – الإيراني، توطئة لانطلاقة كبرى في العلاقات الثنائية والجماعية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «المثلث» الروسي – التركي – الإيراني عن «المثلث» الروسي – التركي – الإيراني



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib