عريب الرنتاوي
يكشف وزير الخارجية السعودية عن جولة رابعة من "حوارات بغداد" بين بلاده وإيران، التأمت في الحادي والعشرين من أيلول/سبتمبر الماضي، فيما المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، يؤكد أن هذه الحوارات تجري في مناخات إيجابية وتحرز تقدماً ملموساً.
بصفة عامة، تميل إيران لإعطاء تقييم متفائل لحواراتها مع السعودية، فيما الأخيرة تميل لإضفاء قدر من التحفظ والحذر على تقييماتها، وهذا أمرٌ مفهوم ... فالأولى ترغب في إرسال رسائل للغرب بأنها قادرة على إدارة وتطبيع علاقاتها مع جوارها، إن هو رفع يده عن المنطقة، فيما الثانية تفضل تحسس مواطئ أقدامها في المرحلة المقبلة من جهة، والتريث لمعرفة مآلات مسار فيينا للمفاوضات النووية بين جارتها والمجتمع الدولي من جهة ثانية.
وفي ظني، أن حقيقة ما يجري في القناة العراقية الخلفية للمحادثات الإيرانية – السعودية، تقع في منزلة وسط بين التقييمين ... فالمحادثات تتقدم ببطء، وعقد أربع جولات منها، ينهض شاهداً على إدراك الطرفين لأهميتها وجدواها، وإلا لَسُدّت هذه القناة منذ أولى جولاتها.
وليس منظوراً من وجهة نظر كاتب هذه السطور، لحوارات بغداد أن تُحرز اختراقاً نوعياً، قبل أن يتصاعد في سماء فيينا دخان أبيض يؤذن بالاتفاق أو قرب الوصول إليه، أو دخان أسود ينذر بالانهيار والسيناريو الأخطر، والأرجح أن وتائر التقارب السعودي – الإيراني ستتسارع في الحالة الأولى، وستتباطأ في الحالة الثانية، ودائماً على وقع تهديدات إدارة بايدن باللجوء إلى "سبل أخرى" للتعامل مع ملف إيران النووي، وذلكم سيناريو يملي على السعودية حال حدوثه، الإبقاء على مسافة من إيران، حتى لا نقول العودة لـ"التموضع" في الخندق المقابل لها .
ولا يجوز النظر لترحيب واشنطن بالمقاربة السعودية الجديدة حيال طهران بوصفه نهاية مطاف الموقف الأمريكي، فهذا الترحيب، يبعث برسالة تشجيع لإيران أساساً لتسريع عودتها لمفاوضات فيينا، والمؤكد أن انهيار هذه المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود، سيقلب الموقف الأمريكي رأساً على عقب، وليس مستبعداً أن نعود فنرى واشنطن تقود حملة إقليمية ودولية لعزل إيران ومقاطعتها ومحاصرتها، وهذا يشمل السعودية أولاً، وبقية دول مجلس التعاون والإقليم في المقام الثاني.
في مطلق الأحوال، نحن بانتظار تطورين هامين، من المتوقع أن تتضح معالمها وإرهاصاتهما، قبل نهاية العام الجاري: مسار فيينا وقناة بغداد، وهو تطوران نوعيان “Game Changer”، وسيكون لهما انعكاسات مباشرة على مختلف أزمات الإقليم، بل وقد يعيدان ترتيب أولويات دوله وخرائط تحالفاتها، بدءاً باليمن الذي يحظى بمكانة الأولوية بالنسبة للسعودية، مروراً بالعراق وسوريا ولبنان، حيث تشتبك المصالح والتحالفات بين البلدين، في حروب بالوكالة لأزيد من عشر أعوام، وسط تبدلات وتغيرات في توازنات القوى والنفوذ بينهما.
اليمن، سيكون أول متلقي مخرجات قناة بغداد، وهو كان موضوع بحث بين الجانبين في الجولات الأربع الفائتة، ومصير الحرب والسلام فيه، سيكون رهناً بنتائج حوارات بغداد ومفاوضات فيينا، سيما أن أمكن للحوثي حسم معركة مأرب، أو التراجع عن أسوارها، بفعل المقاومة الشرسة التي تبديها قوات "الإصلاح" و"الشرعية" وبقايا "التحالف الدولي بقيادة السعودية... لكن تأثيرات هذين الحدثين ستطاول العراق كذلك، فهو سيتأثر إيجاباً بدخانهما الأبيض وسلباً بدخانهما الأسود، سيما وان العراق على موعد مع رحيل القوات القتالية الأمريكية عن أرضه، قبل نهاية العام الجاري ... أما سوريا، فإن مسار عودتها للجامعة العربية، والانفتاح العربي على نظام الرئيس بشار الأسد، سيكونان في صدارة المتأثرين بنتائج حوارات بغداد ومفاوضات فيينا، وكذا لبنان، الذي سيؤخذ "بالشفعة" في كل الأحوال.
الربع الأخير من العام الجاري، محمّل بكثير من التطورات والاحتمالات، تتوقف جميعها بدرجة كبيرة، على ما يجري في بغداد وفيينا ... فإن صدقت رواية حسين أمير عبد اللهيان وعادت طهران إلى مائدة المفاوضات قبل نهاية الشهر الجاري، فإن طاقة من الفرج والانفراج ستكون قد فُتِحت، وإن صدقت الرواية السعودية، وعقدت الجولة الخامسة من الحوار الإيراني السعودي في الرياض أو طهران، وليس في بغداد، فمعنى ذلك، أن تطوراً ملموساً سيكون قد طرأ، وفي كل الأحوال، فإن غداً لناظره قريب.