على أبواب فصل جديد في حروب العراق المتناسلة

على أبواب فصل جديد في حروب العراق المتناسلة

المغرب اليوم -

على أبواب فصل جديد في حروب العراق المتناسلة

بقلم : عريب الرنتاوي

الحروب المتناسلة في العراق وعليه، لا نهاية لها على ما يبدو ... الحرب على داعش لم تضع أوزارها بعد، ومشوار العراق للتخلص من الإرهاب واستئصال شأفته، ما زال مديداً ومريراً ... لكن مع ذلك، نرى اليوم، إرهاصات حرب داخلية جديدة تطل برأسها، ومن كركوك هذه المرة، وبين العرب والكرد، من دون استبعاد احتمال انخراط "أقوام أخرى" قد تجد نفسها متورطة في اتون فصل جديد من فصول الحروب العراقية المفتوحة.

بإجماع حزبي نادر، يقرر إقليم كردستان، رفع علمه الخاص فوق كركوك، يرد البرلمان العراقي برفض القرار، ويدير الكرد ظهورهم لبغداد ... قبلها كان رئيس الإقليم يتوعد بضم المناطق التي تصلها قوات البيشمركة في حربها على "داعش" ... ولقد تحول إقليم سنجار إلى ساحة صراع بين مسعود البارزاني وعبد الله أوجلان، و"سهل نينوى" محط أطماع للإقليم كذلك، تغذيها ميول مسيحية وأزيدية لربط مناطقهم بالإقليم، وليس بالمركز، أو على الأقل، هكذا تتجلى مواقف أكثر الأطراف نفوذها في أوساط هذين المكونين الأقلويين.

يستطيع الإقليم، مدعوماً بحلف غربي طويل وعريض، ومستفيداً من حالة الضعف والاحتراب التي تعيشها الغالبية العربية في العراق، أن يتوسع ويتمدد ... وسيجد من بين الكرد، أغلبية حاسمة تؤيد الانفصال في أول استفتاء على مستقبل الإقليم، وهذا حق للإقليم وسكانه على أية حال، لكن من قال إن العراقيين العرب، سنة وشيعة، سيبقون على ضعفهم وتفككهم واحترابهم؟ ... من قال إن غالبية العراقيين، ستقبل بالأمر الواقع المفروض و"المقتنص" في لحظة ضعف لن تدوم إلى الأبد.

قلنا من قبل، ونكررها اليوم: من حق الإقليم وأهله التصويت بنعم للانفصال، فذاك يندرج في سياق "حق تقرير المصير"، وأذهب شخصياً أبعد من ذلك لإبداء التعاطف مع حلم الكرد التاريخي المستلب، بإقامة كردستان الكبرى، مع أن ذلك الهدف دونه خرط القتاد، لكن ليس من حق الكرد، لا في العراق ولا في سوريا، التصرف بانتهازية واضحة، للتوسع خارج مناطقهم أو فرض حقائق جديدة على الأرض، بالضد من مصلحة شركائهم وأشقائهم، وفي لحظة ضعف نادرة، كما أنه ليس من مصلحتهم أن يفعلوا ذلك، فهم بهذا يؤسسون لجولات لاحقة من الصراع، لن يكونوا فيها دائماً، القوة المحظية والأولى بالرعاية من قبل واشنطن وبروكسيل.

المناطق المتنازع عليها في العراق، يجب أن يُحسم أمرها بالتفاوض مع "الشريك في الوطن"، أو من كان شريكاً فيه، والكرد من قبل ومن بعد، "أقليات" في دولهم، فإن دارت الدوائر، سوف تُستأنف حروب الثأر والانتقام، ولن تكون هناك نهاية لمعاناة مختلف مكونات هذا الإقليم، بفسيفسائه السكانية المعقدة والمتشابكة.

ولن نجادل في "مظلومية" الكرد، وفي مختلف الدول التي يتوزع عليها إقليمهم، أو وطنهم التاريخي، فتلكم من حقائق التاريخ المعاصر، وهم كانوا أيضاً ضحايا التقاسم العصر الكولونيالي، ومشاريع تقسيم المنطقة وتقاسم النفوذ فيها ... وفي مرحلة ما بعد الاستقلالات العربية لم يحظ الكرد بما يترتب لهم وعليهم، من حقوق المواطنة وواجباتهم، ومن يقول بخلاف ذلك، إما جاهل بحقائق التاريخ الحديث، وإما "شوفيني" متعصب وفي دول الإقليم غير العربية (تركيا وإيران) لم يحظ حال الأقلية القومية الكردية أفضل حالاً من نظيراتها في سوريا والعراق... لكن "المظلومية التاريخية" لا ينبغي أن تقود إلى "مظلومية مستقبلية"، معكوسة هذه المرة، و"الضحية" التي تقبل أن تستعير دور "جلادها" و"إخلاقياته" و"قيمه"، لا تستحق التعاطف، والأهم أنها تعاكس مجرى التاريخ، وقد تجد نفسها ذات يوم، ملقاة على هوامشه.

والكرد بـ "استعجالهم" و"تمددهم" غير المحسوب، في سوريا والعراق، يقامرون باستجلاب غضب دول وأقوام أخرى ... إيران ليست سعيدة بتوسع الإقليم، ولا بالنزعات الانفصالية لدى بعض أكراد سوريا، وتركيا من جهتها، مستعدة لخوض "حرب المائة عام"، قبل أن تنتقل عدوى "تقرير المصير" إلى الداخل التركي، وكلا البلدين الجارين الكبيرين اللذان يحيطان بالإقليم من شماله وشرقه، لديهما ما يكفي من الأوراق والأدوات، التي ستجعل حياة الإقليم، صعبة للغاية.

وإذا كانت "المظلة الدولية" تنفع في حماية الإقليم في شمال العراق، أو المشروع الكردي في شمال سوريا من أية عدوانات خارجية، أو تهديد الإرهاب (داعش مثالاً)، فإن هذه المظلة، لن تنقع أبداً، ولن تكون كافية بحال، لحماية هذه الكيانات من حروب المليشيات والطوائف والمذاهب والأقوام، والعراق وسوريا، كلاهما، تحولا في السنوات الأخيرة، من مرحلة "الهوية الوطنية" إلى مرحلة "المكونات" و"الهويات الفرعية"، ومن "الدولة المركزية" إلى ساحة مفتوحة للمليشيات والأحزاب والجماعات المسلحة من كل لون وجنس وملّة، وجميعها جاهزة للاندماج في "حرب الجميع ضد الجميع"، وجميعها كانت أدوات في "حروب الوكالة" التي تشهدها المنطقة من ردح من الزمن.

لو كنت كردياً لصوتُ بنعم لصالح استقلال الإقليم، فمن ذا الذي يريد أن يعيش في ظلال حروب المذهب وحروب المليشيات وحكومات الفساد وزعامات الجهاد العالمي، بيد أنني كنت سأنصح قيادة الإقليم، لاعتماد التروي والحذر، والامتناع عن كل ما يمكن أن يُدخل كرد العراق في صفحة جديدة من الاحتراب الأهلي، ولآثرت الاكتفاء بحث الإقليم على "تقديم النموذج" واللجوء إلى "القوة الناعمة" التي قد تحفز بقية العراق للاقتداء بالتجربة، فإن تعذر، الالتحاق بها، من دون صخب ولا ضجيج، ومن دون ولوج عتبات فصل جديد من فصول "الحرب الدائمة"، في العراق وعليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على أبواب فصل جديد في حروب العراق المتناسلة على أبواب فصل جديد في حروب العراق المتناسلة



GMT 11:37 2024 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

فخري كريم والعراق العظيم

GMT 19:19 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

الصدر والحكيم والهوية المُركبة

GMT 13:27 2024 السبت ,02 آذار/ مارس

ماذا عن الحرب المنسية!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 08:47 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تيك توك يتخلص من أكثر من 200 مليون فيديو مخالف خلال 3 أشهر

GMT 02:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

احتياطيات ورأسمال بنوك الإمارات تتجاوز 136 مليار دولار

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ميناء طنجة المتوسط يحصل عل قرض من مؤسسة التمويل الدولية “IFC”

GMT 22:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة

GMT 21:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر

GMT 18:13 2023 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بلينكن يُعلن دعمه المستمر لكييف في الحرب الروسية الأوكرانية

GMT 05:00 2024 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 13 مارس/ آذار 2024
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib