هنية في خطابه الأول

هنية في خطابه الأول

المغرب اليوم -

هنية في خطابه الأول

بقلم - عريب الرنتاوي

في الشكل، أحسن السيد إسماعيل هنية صنعاً إذ اختار منصة وطنية شبه جامعة، لتقديم برنامجه كرئيس جديد للمكتب السياسي لحركة حماس، وهو الذي اعتاد إطلاق المواقف السياسية في خطب الجمعة التي يلقيها في مساجد غزة ... المؤتمر الصحفي لـ “أبو العبد” اتخذ الشكل الرسمي المعتاد في مثل هذه المناسبات، وهذا جيد.

ومن حيث الشكل أيضاً، بدا خطاب هنية، تصالحياً بامتياز، أقله من حيث اللغة والمفردات المستخدمة، وقد بدا من النص وطريقة الإلقاء، والتوكيد اللفظي المتكرر، ونبرة الصوت المصاحبة، مصاغاً بعناية لتوجيه الرسائل التي حرص الرجل على إطلاقها وهو في مستهل مشواره لقيادة الحركة.

لكن من حيث المضمون، فإن من المؤسف أن خطاب “أبو العبد”، جاء خلواً من أي مبادرة، يمكن أن تفضي إلى إشاعة مناخات من الأمل والتفاؤل، بقرب إنهاء الانقسام المدمر الذي مزّق الجغرافيا والمؤسسات والشعب، تكرار المواقف والعبارات الإنشائية التي لم تنجح من قبل في رأب الصدع، لم يفلح، ولن يفلح في إحداث أي اختراق جدي على طريق استئناف المصالحة واستعادة الوحدة.

و”معالم الطريق” التي استعرضها السيد هنية في خطابه المذكور للوصول إلى الوحدة، يجري “لوكها وعلكها واجترارها” منذ بضع سنوات، حتى أن الشعب الفلسطيني بات يشعر بالسأم الشديد في كل مرة تتردد فيها عبارات من نوع: تشكيل حكومة وفاق، وإجراء انتخابات متزامنة، وتسريع إجراءات بناء الثقة، وحل المشكلات العالقة ... فلا شيء من كل ذلك يتحقق أو يٌترجم على الأرض ... لا تقدم يحدث على أي من هذه المسارات، حتى أن حكومة الوفاق القائمة فعلاً، باتت جزءاً من المشكلة بدل أن تكون جزءاً من الحل، بعد أن حيل دون قيامها بدورها في القطاع، وتعرضت للنقد والاتهام والتنديد بفعل الإجراءات التي اتخذتها في ملفات الرواتب كالكهرباء وغيرهما.

وزاد الطين بلّة، أن المؤتمر الصحفي الأول لهنية، كرئيس للمكتب السياسي الحركة، تزامن مع تطورات بالغة الأهمية والحساسية على ملف علاقة الحركة مع العقيد المنشق محمد الدحلان، بما يمثل ومن يمثل، وهي تطورات ضربت على “عصب حساس” عند فتح والسلطة والمنظمة والفصائل المنضوية في إطارها، حتى لا نقول عند الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني، التي طالما نظرت بكثير من القلق والاشتباه لمحاولات أنظمة وحكومات عربية، مد “جسور” لنفوذها في الساحة الفلسطينية، لفرض خياراتها ورجالاتها، ومصادرة استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، وإدراج قضية الشعب الفلسطيني في لعبة المحاور وصراعاتها.

من حق حماس أن تقول ما تشاء لتسويق وتسويغ مصالحتها مع الدحلان، تحت الرعاية المصرية – الإماراتية، وقد يجد بعض الفلسطينيين العذر للحركة التي تكاد تختنق في القطاع ويختنق بها، للبحث عن أي مخرج أو بدائل أو منافذ ... لكن ذلك لا يعني أن الحركة لن تواجه تحديين اثنين:

الأول، تحدي صون صديقة شعارات الحركة و”ثوابتها” وجدية استمساكها بها والتلويح بالتصدي لـ “صفقة القرن” و”التسوية التاريخية” في الوقت الذي تقترب فيه الحركة بثبات، وتحت ضغط حفظ السلطة والاحتفاظ بها في غزة، من أركان محور إقليمي وفلسطيني، هو الأشد حماسة للصفقة والتسوية، بل ويدرج “طوق النجاة” الذي يقدمه للحركة في القطاع، في سياق تمهيد الطريق للحل الإقليمي وتسوياته المنتظرة... بمقدور الحركة الادعاء أنها امام اتفاق تكتيكي، اجتماعي بالأساس، وسياسي “سكر خفيف”، لكن نظرية “أول الرقص الحنجلة” التي اختبرت فلسطينياً، تجعلنا قليلي الاعتناء بهذه التبريرات، سيما بعد أن برهنت الحركة بأن وصولها للسلطة وبقائها على رأسها، هي أولوية لا تتقدمها أي أولوية أخرى على جدول أعمالها.

والتحدي الثاني؛ يتصل بصدقية توجه الحركة نحو المصالحة والوحدة، وهو أمرٌ حظي بتركيز واضح في خطاب هنية، بيد أنك لا تستطيع، من دون المقامرة بخسران الصدقية، أن تعطي إشارة “غماز” لليسار وتنعطف لليمين، وهذا ما تفعله الحركة فعلياً، فجهدها العملي الرئيس منصب على إتمام فصول “الصفقة التكتيكية” مع الدحلان، أما جهدها اللفظي فيتركز على التبشير بالثوابت والمصالحة ووحدة الشعب والجغرافيا، وغير ذلك من شعارات طنانة.

نأمل أن يحمل الخطاب الثاني لهنية شيئاً مغايراً، فالخطاب الأول انتهت مفاعليه، قبل أن يجف حبره ويتبدد أثيره، مع أننا لم نعد مسكونين بأي أوهام أو أحلام، حول إمكانية حدوث تطور إيجابي كهذا، أقله على المديين المرئي والمنظور.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هنية في خطابه الأول هنية في خطابه الأول



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

صبا مبارك تعتمد إطلالة غريبة في مهرجان البحر الأحمر

الرياض - المغرب اليوم

GMT 16:08 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إنستغرام تتخلص من التحديث التلقائي المزعج عند فتح التطبيق

GMT 16:24 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الجدي" في كانون الأول 2019

GMT 06:43 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أمزازي يؤكد أن الإحباط يحدّ من الرقي بمستوى الجامعات

GMT 20:23 2017 الإثنين ,20 شباط / فبراير

محمد برابح ينتقل إلى فريق نيميخين الهولندي

GMT 01:58 2020 الإثنين ,30 آذار/ مارس

علامة صغيرة تشير إنك مصاب بفيروس كورونا

GMT 06:32 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم في إطلالة جذابة باللون الأسود

GMT 01:51 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين زفاف تُناسب شكل جسم العروس وتُظهر جمالها

GMT 14:27 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

محمود الخطيب يُشعل حماس لاعبي "الأهلي" قبل مواجهة "الترجي"

GMT 06:12 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"إيتون Eaton- واشنطن" عنوان مميَّز للفنادق الفخمة

GMT 14:01 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حياة "غريس موغابي" المرفهة تتحول إلى أمر صعب للغاية

GMT 09:11 2017 الأحد ,06 آب / أغسطس

توقعات أحوال الطقس في تمارة الأحد

GMT 00:50 2014 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

حقيقة التحاق الممثل "أمين الناجي" بتنظيم "داعش"

GMT 04:17 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

العثور على آثار من مصر والهند شرق إثيوبيا

GMT 16:07 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

شاب يذبح غريمه في بني ملال ويُرسله للطوارئ في حالة حرجة

GMT 00:17 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

كاظم الساهر يغني في منتجع "مازاغان" الشهر المقبل

GMT 12:00 2016 الثلاثاء ,26 إبريل / نيسان

نجوم بوليوود في عيد ميلاد فارون دهاون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib