القمة الأخطر منذ كامب ديفيد

القمة الأخطر منذ كامب ديفيد

المغرب اليوم -

القمة الأخطر منذ كامب ديفيد

بقلم : عريب الرنتاوي

غداً تلتئم القمة الأمريكية – الفلسطينية الأهم – ربما – منذ كامب ديفيد عام 2000، حال فلسطين، قضية ورئيساً ومكانة، أسوأ بكثير مما كانت عليه الحال قبل سبعة عشر عاماً ... أول قمة بين دونالد ترامب ومحمود عباس، تبدو حاسمة لجهة تقرير وجهة الحركة الأمريكية وتقرير طبيعة الخطوة التالية على هذا المسار، وربما سترسم مسار العلاقة الفلسطينية الأمريكية ومستقبلها، أقله للسنوات الأربع القادمة... وقد تكون المحاولة الأخيرة للرئيس الفلسطيني لانتزاع الدولة من رحم التفاوض ومن على موائده.

الزمن غير الزمن، والرجال غير الرجالات ... في كامب ديفيد، تولى ياسر عرفات، القائد والرمز التاريخي للحركة الوطنية المعاصرة، مهمة التفاوض باسم الشعب الفلسطيني، كان ممسكاً بزمام الموقف على الساحة الوطنية، وكان قادراً على ضبط الإيقاع الكلي للفصائل الفلسطينية، بمن فيها حماس، كان بمقدوره أن يضع قادة الحركة جميعاً في السجن، دون الخشية من انفلات المشهد أو حدوث الانقلاب، وقد فعل ... اليوم، يقف الرئيس عباس على رأس حركة وطنية ضعيفة ومفككة، فيما الانقسام يدخل عامه الحادي عشر... يواجه من جهة، تحدياً لزعامته من داخل حركة فتح والفصائل (البعض يقرأ إضراب السجون في هذا السياق، دع عنك تحدي الدحلان)، ويقارع من جهة ثانية، منافساً شرساً لا يعترف بمؤسساته وشرعيته، بل يعمل على تقاسمها وتقويضها، ولن يتردد في مأسسة الانقسام والتقسيم وتحويل التباعد الجغرافي إلى طلاق مؤسساتي وانفصال كياني.

زمن كامب ديفيد، كان لليسار في إسرائيل بقية من هيبة ونفوذ وتمثيل، قبل أن يتحول إلى "بقايا صور ومرايا"، وكان "حل الدولتين" وإن بشروط إيهود باراك المجحفة مطروحاً على الطاولة... اليوم، تبدو إسرائيل محكومة بترويكا اليمين واليمين المتطرف، و"حل الدولتين" ليس مطروحاً على جدول أعمال أحد منهم، خارج إطار "الحكم الذاتي" و"تبادل الأرض والسكان" ومن ضمن غلاف من التمييز العنصري القائم، الذي يراد تعميقه ومأسسته، كما يتضح بشكل فاقع من مواقف الحكومة وممارساتها وسياساتها.

زمن كامب ديفيد، كان بيل كلينتون سيداً في بيته الأبيض، قبل أن يحل دونالد ترامب محله، وهو الرئيس الآتي من أكثر الدوائر انحيازاً لإسرائيل، بل ولليمين والاستيطاني فيها، رجل يوصف بالبلدوزر، الذي يمكن أن يأخذ في طريقه، خصومه ومجادليه، ممن لا يشاطرونه شطحاته وتغريداته ... الخلاف مع ترامب ليس بالكلفة ذاتها للخلاف مع كلينتون أو أوباما... و"ورقة كلينتون" التي تحفظ عليها الإسرائيليون والفلسطينيون، قد تصبح حلماً على الانتزاع من ترامب وإدارته وطاقمه.

زمن كامب ديفيد، كانت القضية الفلسطينية تتربع في صدارة الاهتمامات الإقليمية والدولية ... لم يكن الحادي عشر من سبتمبر قد وقع، حاملاً معه كل "غطرسة القوة الأمريكية" بعد... ولم يكن الإرهاب قد ضرب في عمق المنطقة وأطاح بمئات ألوف الضحايا من بين أبنائها وبناتها، قبل أن يتحول إلى تهديد عالمي ... ولم يكن الانقسام المذهبي قد تجذر على النحو الذي ضرب دول المنطقة ومجتمعاتها، وحوّلها شيعاً وقبائل متناحرة... ولم يكن الربيع العربي، قد كشف كل العفن والخراب الذي اعتمل في دواخل مجتمعاتنا ودولنا طوال عشريات أربع أو خمس من السنين، في ظلال الركود والفساد والاستبداد  ...ولم تكن القضية الفلسطينية قد انزوت في أسفل قائمة الاهتمامات والأولويات العربية.

سيكون نجاحاً للرئيس عباس إن أمكن له إقناع الرئيس ترامب باستئناف المفاوضات من حيث توقفت في كامب ديفيد وما تلاها وأعقبها ... لكن المهمة تبدو صعبة للغاية مع رئيس يعتقد أن التاريخ يبدأ معه وينتهي عنده ... رئيس يريد أن يضع بصمته الخاصة، على كل موقف ومبادرة وسياسة وتشريع ... رئيس ينظر لولايته باعتبارها تَجُبُّ ما قبلها ... والمؤكد أنه يريد أن يبدأ مشوار التفاوض الفلسطيني – الإسرائيلي من نقطة أدنى بكثير من تلك التي بلغها الفلسطينيون في أية مفاوضات سابقة، ودائماً لخدمة ترويكا التطرف اليميني، الديني والقومي، في إسرائيل.

هي أصعب قمة يعقدها رئيس فلسطيني منذ ذلك الزمن، فإن ذهب عباس إلى مجاراة محدثه الأمريكي يكون قد فرط بحقوق شعبه وتطلعاته وأشواقه، وجازف بتبديد شرعيته أو ما تبقى منها ... وإن هو قرر "الثبات على الثوابت" كما تقول أغنية مكرسة له، قامر بمواجهة رئيس هائج، لن يتردد في فتح مدافعه الثقيلة على عباس، بما يمثل ومن يمثل.

صحيح أن عباس تسلح بموقف عربي أجازته قمة البحر الميت، وبمشاورات "تذكيرية" مع الرئيس المصري والعاهل الأردني، لكن الصحيح كذلك أن الحوار مع ترامب، ومن باب أولى النجاح في إقناعه بوجهة النظر الفلسطينية – العربية، يتطلب ما هو أكثر من ذلك وأبعد من ذلك ... مهمة عباس صعبة، بل وصعبة للغاية، والمؤكد أنه يعرف أنه يخوض غمار آخر محاولة يجريها في حياته السياسية، لتحقيق حلمه الذي عاش من أجله، انتزاع الدولة عبر مسار التفاوض.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القمة الأخطر منذ كامب ديفيد القمة الأخطر منذ كامب ديفيد



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:41 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إيمانويل ماكرون يُشيد بجهود المغرب في مجال تدبير المياه
المغرب اليوم - إيمانويل ماكرون يُشيد بجهود المغرب في مجال تدبير المياه

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib