عن نزاع عربي آخر تحت السطح وفوقه

عن نزاع عربي آخر ..."تحت السطح وفوقه"

المغرب اليوم -

عن نزاع عربي آخر تحت السطح وفوقه

بقلم : عريب الرنتاوي

سأنتهز فرصة توقف عقارب الساعة عن الدوران، بانتظار صعود الدخان الأبيض (أو الأسود) من مقر اجتماعات لافروف – تيلرسون في موسكو، لأتطرق لأزمة أخرى تطل برأسها الكريه، وقد تحتل صدارة العناوين في قادمات الأشهر والسنوات، وأعني بها أزمة العلاقة المصرية – السودانية، والتي تتخذ من مثلث حلايب – شلاتيت، عنواناً لها، بينما هي أبعد من ذلك وأعمق.

وإذ كنت أعتقد بأن الإيماءات التي لا يخلو منها بيان رسمي مصري واحد، عن أطرافٍ خارجية ضالعة في دعم الإرهاب الذي أدمى قلوب المصريين، وعكّر عليهم صفو حياتهم، إنما كان المقصود بها تركيا وقطر، إلا أن أحد الأصدقاء المصريين لفت نظري إلى السودان، بوصفها واحدة من تلك الأطراف التي يُشار لها تلميحاً لا تصريحا ... والحقيقة أنني هنا لست بصدد إطلاق الاتهامات أو نفيها، ولا أنا بوارد تبني أي من الروايات المتضاربة، بما فيها "نظرية الطرف الخارجي من أصله" ... لكن بمجرد أن يفكر أحدهم، على هذا النحو، فهذا يعني أن العلاقات بلغت دركاً من التدهور، نأمل ألا يكون من النوع غير القابل للجبر.

ونبدأ بالتوقف عن الحملات الإعلامية المتبادلة بين الجانبين، والتي تبعتها إجراءات تتعلق بفرض تأشيرات دخول متبادلة على مواطنيهما من فئات عمرية تراوح ما بين (18 – 45) عاماً، وبرسوم باهظة نسبياً، دع عنك غرامات الإقامة غير الشرعية، والتحريك المفاجئ لملف المثلث الحدودي المتنازع عليه، وهو الملف الذي ظل يصحو ويخبو تبعاً لدرجة حرارة العلاقات الثنائية أو برودتها... وفي الأنباء أن "سر" الاستعجال السوداني لحسم هذا الملف، يرتبط أشد الارتباط بإلحاح سعودي على ترسيم الحدود البحرية بين المملكة والسودان، وهو ترسيم سيتعذر إنهاؤه بصورة كاملة، ما لم تترسم الحدود البرية بين مصر والسودان، وهذا أولاً.

أما ثانياً، فقد نجحت الخرطوم، وتحت جنح "عاصفة الحزم" في استرجاع علاقات "خاصة ومتميزة" مع عدد من دول الخليج العربية، وفي مقدمتها السعودية، التي تقول الأنباء أنها رصدت منحة بخمسة مليارات دولار، لتطوير القدرات العسكرية السودانية، بعد انخراط البشير النشط في الحرب على اليمن، فضلاً عن المساعدات والقروض والاستثمارات الاقتصادية، وعلاقة الخرطوم مع الدوحة، كانت وما تزال علاقات متميزة، وهي في أحسن حالاتها مع البحرين والكويت، وجيدة إلى حد ما مع الإمارات العربية المتحدة.

في المقابل، لا تبدو العلاقات المصرية – الخليجية على هذه الدرجة من التطور ... فهي فاترة مع السعودية (واستتباعاً البحرين) على الرغم من قمة "كسر الجليد" على الشاطئ الشرقي للبحر الميت، وهي "سيئة" و"متدهورة" مع قطر، وطبيعية مع الإمارات وبقية دول مجلس التعاون.

في البعد الإقليمي الأكثر أهمية للعلاقات المصرية السودانية، تبرز  أثيوبيا بوصفها اللاعب الكبير في القارة الأفريقية، حيث تقترب العلاقة بين الخرطوم وأديس أبابا من ضفاف "الدفاع المشترك"، وهي تتطور استراتيجياً في شتى المجالات الأمنية والدفاعية والاقتصادية والتجارية والثقافية، معززةً بموقف سوداني مؤيد بحماسة لسد النهضة، المشروع الاستراتيجي الأهم لأثيوبيا، والذي تحول إلى قضية "كبرياء قومي" على وقع نزاعها مع مصر حول هذا الموضوع، وقد صار السد من المعطيات الثابتة في ذلك الجزء من القارة،  بعد إنجاز ما لا يقل من 60 بالمائة من أعماله الانشائية حتى الآن، واعتراف مصر بحق أثيوبيا في بنائه، مقابل اشتراطها "التفاوض والتوافق" في قضايا التخزين وحصص المياه ومنسوبها وغير ذلك... أثيوبيا ، بما لها من ثقل أفريقي، بمقدورها أن تلعب تساعد السودان في إطفاء البؤر المشتعل في السودان وحوله (جنوب السودان، دارفور وكردفان) والسودان بدوره قادر على القيام بدور الوسيط بين أثيوبيا وارتيريا، لتهدئة النزاع القديم المتجدد بين البلدين الجارين... وفي جميع الأحوال، فإن أثيوبيا ستساند السودان في خلافه مع مصر، ومن موقع "المصلحة المشتركة".

وثمة بعد إقليمي آخر للعلاقة بين البلدين، ويتمثل في الدور الإسرائيلي، علاقات مصر بإسرائيل في أحسن حالاتها الآن منذ زيارة السادات لإسرائيل وتوقيعه اتفاق كامب ديفيد، لكن ذلك لا يمنع تل أبيب من التفكير دوماً بإضعاف مصر، الدولة العربية الأكبر، أياً كان نظامها السياسي، وأياً كان مستوى علاقاتها مع إسرائيل ... الجديد في هذا الأمر، أن تل أبيب ترقب بارتياح، "الطلاق البائن بينونة كبرى" بين الخرطوم وطهران، وإقدام الأولى على سحب السفراء وإغلاق السفارات، وانخراطها النشط إلى جانب دول عربية عدة في مساعي "شيطنة" إيران ... إسرائيل التي كانت تصر على معاملة البشير كـ"مجرم حرب" وتصر على الإطاحة به، ونفذت عدة ضربات جوية ضد أهداف سودانية، وحرّضت على عزل النظام ونزع شرعيته، ودعمت الانفصاليين من كل الأقاليم، بدءاً بالجنوب ... تل أبيب هذه، تعيد مراجعة مواقفها من السودان، فيما الأنباء تتحدث عن مساعي تبذلها اللوبيّات "إياها" لتفكيك أطواق العزلة المضروبة حوله، وإعادة تأهيل النظام دولياً، وتشجيعه على المضي في اندماجه بـ "محور الاعتدال العربي".

مقابل ضيق السودان القديم المتجدد، بما يوصف عادة في الخرطوم بالنظرة "الفوقية" "الاستعلائية" التي تبديها القاهرة حيال الخرطوم واستخفافها بمصالحها وتطلعاتها، ومخاوف الأخيرة من العلاقات المتميزة التي نسجتها مصر مع جنوب السودان، قبل الانفصال وبعده... فإن القاهرة لا تكتم مخاوفها من "النوايا السودانية" حيالها، وترى انها تواجه "مؤامرة" تطويق من الجنوب، تستهدفها في "أمنها المائي" وغيره وبدعم وتحريض من أطراف عربية (بعض دول الخليج) وإقليمية (إثيوبيا)، ومن دون استبعاد أثر العامل الإسرائيلي.

إزاء كل هذه التطورات، المنذرة بأوخم العواقب، إن لم يجر احتواءها، يقف النظام العربي (الجامعة) عاجزاً عن ضبط إيقاعات هذا النزاع والخلاف، ولم نر أية مبادرات جدية لاحتوائه قبل انفجاره، بل على العكس من ذلك، نرى دخول أطراف عربية على خط تأجيج هذا النزاع، وتوظيفه خدمة لأجندات لا تتعلق بمصالح البلدين والشعبين، في حين تشتد الحاجة لحوار استراتيجي سوداني – مصري، وإرادة ثنائية لحل مشكلة المثلث المتنازع عليه، والأفضل على طريقة لا غالب ولا مغلوب، وبما يؤسس لعلاقات على المستوى الشعبي، خالية من الضغائن، ويعيد الاعتبار لحوض النيل، كوحدة من وحدات العمل العربي المشترك، بدل الاستقواء بالخارج أو اللجوء إلى "المجتمع الدولي" المتطلع دوماً لتسوية حسابات قديمة وجديدة مع هذه المنطقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن نزاع عربي آخر تحت السطح وفوقه عن نزاع عربي آخر تحت السطح وفوقه



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 08:47 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تيك توك يتخلص من أكثر من 200 مليون فيديو مخالف خلال 3 أشهر

GMT 02:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

احتياطيات ورأسمال بنوك الإمارات تتجاوز 136 مليار دولار

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ميناء طنجة المتوسط يحصل عل قرض من مؤسسة التمويل الدولية “IFC”

GMT 22:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة

GMT 21:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر

GMT 18:13 2023 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بلينكن يُعلن دعمه المستمر لكييف في الحرب الروسية الأوكرانية

GMT 05:00 2024 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 13 مارس/ آذار 2024
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib