خيارات حماس تزداد ضيقاً وحرجاً

خيارات حماس تزداد ضيقاً وحرجاً

المغرب اليوم -

خيارات حماس تزداد ضيقاً وحرجاً

بقلم - عريب الرنتاوي

في أواخر العام 2006، وبعد فوز حماس الكاسح في انتخابات المجلس التشريعي، وفي اجتماع «رفيع المستوى» في عمان، قلت من باب «تبديد القلق» و»الحث على احتواء الموقف»، إن كل باب يغلق في وجه حماس في عمان والقاهرة والرياض، ستُفتح مقابله عشرة أبواب في دمشق وطهران والضاحية الجنوبية ... يومها لم يؤخذ كلامي على محمل الجد، وتطوع واحد من فرسان «التكنوقراط» الذي كان يشغل منصباً سياسياً رفيعاً بامتياز، لـ «طمأنتي» بالقول: «لا تشطح بعيداً في الخيال، حماس لن تمكث على رأس السلطة لأكثر من بضعة أشهر... مضت عشر سنوات وأزيد على تلك الواقعة، طار المسؤول من منصبه، وحماس ما زالت على رأس سلطة الأمر الواقع في غزة.

لا شك أن الرجل كان عالماً – ربما – بما يحاك ضد حكومة حماس في غزة، حيث اتضح بعد ذلك، من مصادر حمساوية وفتحاوية على حد سواء، أن أطرافاً إقليمية ودولية، كانت تعد العدة للانقلاب على حكومة حماس، وأن فرس الرهان في تلك الحقبة، كان العقيد محمد دحلان، الذي سينشق لاحقاً، لتتكشف فصول ما جرى في التحقيقات التي أجرتها فتح والسلطة، حول دور الرجل ومسؤوليته ... حماس، استبقت الانقلاب، بـ «انقلاب على الانقلاب» في العام 2007، وبقية القصة معروفة.

مناسبة استحضار تلك الوقائع غير المعروفة على نطاق واسع، هو ما يجري اليوم من محاولات لحشر حماس في أضيق القوائم السوداء للمنظمات الإرهابية، إلى جانب «داعش» و»النصرة» ... إذ لم يعد للحركة من ملاذات آمنة، تأوي إليها، حتى أن قائمة نشطائها من ذوي الصلات بالضفة الغربية، جرى إبعادهم للمرة الثانية من الدوحة، بعد أن كانوا أبعدوا للمرة الأولى من إسطنبول، كشرط إسرائيلي لتطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل ... يقال أنهم حطوا في ماليزيا، لكن هذا «النمر الآسيوي» اعتاد استقبال السائحين على الرحب والسعة، لكن هيهات أن يضع نفسه في دائرة الاستهداف الكوني لـ «الإرهاب والدول الراعية له».

لم يعد هناك مكان في فضاء العرب والناطقين بلسان الضاد، بل وربما في عوالم الإسلام والمسلمين، يمكن أن يوفر للحركة مقراً مؤقتاً لقياداتها الذين تتهددهم قرارات الإبعاد حيثما حلّوا وارتحلوا... حتى السودان، ذي الخلفية الإخوانية، نقل بندقيته من كتف إلى كتف، فبعد تزويد الحركة بالسلاح المصنع على أرضه، بخبرات وتمويل إيرانيين، ما استعدى ثلاث ضربات جوية إسرائيلية على الأقل، بات اليوم لاعباً مهماً في الحربين المندلعتين على اليمن والإرهاب ... وفي عاصمته، يشيد أكبر مقر للمخابرات المركزية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ورئيسه الذي كان يحاذر مغادرة عاصمته، خشية الملاحقة القانونية، بات اليوم رجل السلام والاعتدال والحرب على الإرهاب وإيران و»التشيّع» ... لم يبق للحركة هوامش للمناورة، أو مساحة للتحرك والاستقرار خارج القطاع المحاصر.

طبعاً نحن على علم بالتقارير التي تتحدث عن مسعى لاستعادة العلاقة بين الحركة وحلفائها السابقين لثورات الربيع العربي، وطهران في الأصل، لم تقطع نهائياً مع بعض الحركة وذراعها العسكري على وجه الخصوص ... دمشق لا ترحب بحماس والأرجح أنها لن ترحب بها، وتلكم من قضايا الخلاف النادرة بين العاصمتين الحليفتين ... الضاحية الجنوبية، تنتظر استقرار الحركة على خيار نهائي غير قابل للنقض عند أول إيماءة للحركة من محور الاعتدال السنّي العربي ... لكن في مطلق الأحوال، فإن «عودة الابن الضال» إلى محور «المقاومة والممانعة»، يقابل باعتراض من تيار وازن داخل الحركة نفسها أولاً، وهو خيار سيكون عالي الكلفة في ظل اشتداد حدة الصراع والاستقطاب ضد إيران ثانياً، سيما مع توجه دول عربية متزايدة للعمل بمعادلة جورج بوش الابن: من ليس معنا فهو ضدنا ... عودة حماس إلى حاضنتها السابقة: «المقاومة والممانعة» لن يجعل منها ركناً موثوقاً من أركان هذا المحور، إذ لن يجري التعامل معها من على قاعدة «المؤلفة قلوبهم»، وسيعزز المحاولات الرامية لشيطنتها وإدراجها إلى جانب داعش في قوائم «المغضوب عليهم».

ليس أمام حماس، سوى خيار واحد، إن هي أرادت الخروج من عنق الزجاجة الذي يعتصرها ...  مرحلة «ما بعد الدوحة»، ستكون أشد صعوبة على الحركة وقيادتها في الخارج، من مرحلة «ما بعد دمشق»، ومرحلة ما بعد الدوحة بدأت مبكراً في واقع الحال، وتقارير المصادر المطلعة تتحدث عن «ضيق قطري» ببطء مسار تكيف الحركة مع محاولات تأهيلها وإعادة تأهيلها، خصوصاً جناحها الغزي الأكثر تشدداً، والذي جاء بصقور الحركة (السنوار- الزهار) على رأس قيادتها في القطاع، وهو أمرٌ يفقد الإمارة الخليجية الصغيرة، كل حجة أو ذريعة لها أمام الغرب و»المعتدلين العرب»، للاستمرار في احتضانها لقيادة حماس ... الوثيقة الأخيرة للحركة، وإن كانت خطوة مهمة للأمام على طريق  التأهيل والتكيف، إلا أنها لا تكفي كما يقول سامح شكري، ولا تؤهل قطر للقول بأنها نجحت في تدوير الزوايا الحادة في مواقف الحركة وتوجهاتها.

وعلى حماس أن تستفيد من دروس التجربة الفلسطينية المتراكمة، قيادة منظمة التحرير في منفاها التونسي، خضعت لضغوط مكثفة من أجل التكيف مع شروط كيسنجر المعروفة، والمطابقة لشروط الرباعية الدولية هذه الأيام ... «أنانية» القيادة الفلسطينية، جعلتها تستهل تقديم التنازلات للغرب لاعتمادها محاوراً ومفاوضاً بدلاً عن القيادات الوطنية في الداخل ... حماس مضطرة لتقديم التنازلات، وعليها أن تختار بين أن تقدمها لشعبها ومنظمة التحرير وشركائها في الحركة الوطنية الفلسطينية، بالتدرج والتقسيط المريح، أو تقديمها على عجل، وبالجملة، لعواصم الغرب و»الاعتدال العربي» واستتباعاً لإسرائيل.

لا سبيل أمام حماس، سوى الانضواء تحت المظلة الوطنية الفلسطينية، مظلة السلطة والمنظمة والشراكة، والأمر يبدأ أولاً بإبداء الاستعداد للشراكة الحقيقية، والتخلي عن الاستئثار بحكم القطاع ... الأمر بحاجة للخروج من مربع الألاعيب التي اعتمدت في السنوات الأخيرة، والتي جعلت الشراكة ضرباً من المناورة ومحاولة للتلطي تحت «طربوش» السلطة، التي تحولت خلال السنوات العشر العجاف الفائتة، إلى «صراف آلي» فقط، في حين على حماس أن تدرك اليوم، بأن عليها أن تقدم «تنازلات مؤلمة» لشريكها في الوطن والقضية، بدل الاستمرار في سلوك الطريق ذاته على أمل الوصول إلى نهايات مختلفة ... هذا لم يحصل من قبل، ولن يحصل من بعد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيارات حماس تزداد ضيقاً وحرجاً خيارات حماس تزداد ضيقاً وحرجاً



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 08:47 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تيك توك يتخلص من أكثر من 200 مليون فيديو مخالف خلال 3 أشهر

GMT 02:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

احتياطيات ورأسمال بنوك الإمارات تتجاوز 136 مليار دولار

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ميناء طنجة المتوسط يحصل عل قرض من مؤسسة التمويل الدولية “IFC”

GMT 22:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة

GMT 21:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر

GMT 18:13 2023 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بلينكن يُعلن دعمه المستمر لكييف في الحرب الروسية الأوكرانية

GMT 05:00 2024 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 13 مارس/ آذار 2024
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib