السلطة إذ تعيد تشكيل الحركة

السلطة إذ تعيد تشكيل الحركة

المغرب اليوم -

السلطة إذ تعيد تشكيل الحركة

بقلم - عريب الرنتاوي

ستتحول سلطة الأمر الواقع في غزة، إلى أداة جبارة لإعادة صياغة حركة وتشكيلها، طالما أن الاحتفاظ بهذه السلطة، بات أولوية لا تتقدمها أية أولوية أخرى ... وسنرى طوابير الصقور من قادة الكتائب والأسر المحررين، يلتحقون تباعاً بأسراب الحمائم ... وسيصبح التنقل بين دمشق والضاحية الجنوبية والدوحة والقاهرة وطهران، وربما أبو ظبي في قادمات الأيام، أمراَ شرعياً تماماً... حتى اللقاء مع عدو الحركة وخصمها اللدود، العقيد المنشق محمد دحلان، سيكون أمراً جائزاً ومحبذاً، وقد تدعمه «هيئة كبار العلماء المسلمين» الجاهزة دوماً لإصدار الفتاوى الشرعية حول الشيء ونقيضه.

وبدل أن تنجح الحركة في تحويل سلطة أوسلو إلى سلطة مقاومة، رأينا السلطة تحول الحركة من حركة مقاومة إلى «حزب سلطة» لا يستطيع أن يفارقها، ويبتني لنفسه وقادته منظومة من المصالح التي يصعب التخلي عنها، مادياً ومعنوياً ... رأينا السلطة تعيد تشكيل الحركة، بدل أن تنجح الحركة في إعادة تشكيل السلطة.

حين كان «التمكين» يقتضي التحالف مع طهران ودمشق وحزب الله، كانت حماس ركناً ركيناً في «محور المقاومة والممانعة»، وعندما هبّت رياح «الربيع العربي»، ومالت الكفّة في غير صالح دمشق، غادرها مكتب الحركة السياسي إلى غير رجعة، ولم يتردد رئيسه عن التدثر بـ «علم الثورة السورية» والتلويح به مهرجانات إسطنبول، وصارت الدوحة وأنقرة هما فرسا الرهان الأساسيين، والرافعة الكبرى للتمكين وإدامة سلطة الأمر الواقع... ومرة أخرى، لا بأس من إجراء كثير من التغيرات والتعديلات على برنامج الحركة وطروحاتها، وفقاً لمقتضيات الحلف الجديد، التي ينبع بعضها من حساباته الخاصة، وأكثرها من حسابات الشركاء الدوليين للدولتين الراعيتين لحماس.

اليوم، تبدو قطر في أضيق الزوايا وأحرجها، وأياً كان «سيناريو المخرج» الذي سينهي الأزمة بين الإمارة الصغيرة وشقيقاتها الكبريات، في مجلس التعاون وخارجه، فإن من المؤكد أن قطر الغد، لن تكون أبداً مثل قطر الأمس ... حتى أن رئيس وزراء الإمارة الأشهر، ووزير خارجيتها الأسبق ، بات يتحدث بلغة الاستعطاف ويستحضر مفردات العلاقة بين الشقيقة الكبرى والشقيقة الصغرى، فيما وزير خارجيتها الحالي، لا يمل من تكرار استعداد بلاده لتفهم مخاوف ومصالح «الرباعي العربي» الذي يشن حرباً غير مسبوقة ضد قطر.

هنا والآن، يبدو أن الحركة بصدد تلمس مواقع خطواتها للمرحلة المقبلة ... لا مكان مريح لقيادتها في الخارج، انقضت سنوات اللجوء في دمشق، حيث تحول الضيف إلى مضيف... وسنوات اللجوء ذي الخمسة نجوم في الدوحة، يبدو أنها في طريقها إلى نهايتها الحتمية كذلك ... يحدث ذلك، قبل أن يتمكن «الابن الضال» من العودة إلى أحضان أمه، في محور طهران – دمشق – الضاحية، لأسباب تتعلق بمخاوفه من تبعات هذه النقلة، وانعدام ثقة حلفاء الأمس، بالشريك الذي لا يعرف الاستقرار في خندق واحد، والذي يتصرف في بعض الأحيان، كالموظف المستجد في شركة صغيرة الحجم، والذي يبدأ منذ اليوم الأول لتسلمه مهام وظيفته، بإرسال سيرته الذاتية إلى شركات أكبر بحثاُ عن وظيفة بشروط أفضل.

هنا والآن، تبدو الحركة على أتم الاستعداد للتفكير بالانضواء تحت رايات محور جديد، قد يكون القاهرة – أبو ظبي هذه المرة ... أسبابها في ذلك، تعود إلى اختناقها بغزة واختناق غزة بها، أما بوابتها إليه فتتمثل في عدو الأمس، محمد الدحلان ... فالتفاهمات التي أبرمت بين الجانبين في طريقها للتنفيذ، والأنباء تتحدث عن زيارة وفد من الحركة للإمارات، ظاهرها اللقاء مع الدحلان، وباطنها تفتيح قنوات اتصال مع رعاته وداعميه.

إن كان الترياق المطلوب لإسالة بعض الدماء في شرايين سلطة الأمر الواقع المترنحة سيأتي من هذا المحور، فالأرجح أن الحركة لن تتردد عن طرق أبوابه، حتى وإن كانت فاتورة هذا الانتقال باهظة للغاية ... هنا لا نستطيع القول إن حماس قد تنقل بندقيها من كتف إلى كتف، فلا بنادق في الدوحة وأبو ظبي لحماس وخيار المقاومة ... هنا ستدخل الحركة على خط التأهيل وإعادة التأهيل، التكيف والتواؤم، مع مقتضيات «مرحلة ما بعد سقوط حكم الإخوان في مصر» والتي تكاد تكون متلازمة مع مرحلة ما بعد دمشق، مع فاصل زمني قصير للغاية.

إدامة حكم حماس في غزة هو متبدأ جملتها وخبرها، وهو الحافز الأكبر لإصدار ميثاق الحركة الجديد، والانفتاح على أعداء الأمس ... لكن أنظار حماس لا تبتعد عن الضفة الغربية، ورهانها على الحلول محل السلطة والمنظمة وفتح وعباس لا ينقطع، ولكن من بوابة التكيف والتأهيل هذه المرة، وليس من بوابة «المقاومة والممانعة»، والتي قد تنهي حكم حماس في غزة، بدل أن تفتح لها أبواب الضفة في الظرف الإقليمي والدولي الراهن ... وإن لم تفز حماس بالضفة والمنظمة، ظفرت بالقطاع، وهذا أضعف الإيمان ... وإن تعثر مسار انهاء احتلال الضفة ومسار انهاء الانقسام، فإن من المؤكد أن حماس ذاهبة للانفراد بإمارتها في غزة، مهما كلف الأمر، ودائماً تحت ستار كثيف من دخان الشعارات الكبيرة والبراقة.

كنّا نظن أن انخراط حماس في النظام السياسي الفلسطيني وتبنيها لخطاب واقعي أمرٌ قد يقرّب الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه وبناء مؤسساته واستعادة وحدته، لكن ما غاب أن أذهاننا ورهاناتنا وقراءاتنا، أن هذه الحركة، شأن كثير من الحركات، وامتداداً لفلسفة الجماعة الأم، مسكونة بنظرية «التمكين»، وأن شغفها بالسلطة، لا يقل إن لم يزد، عن شغف فتح وقيادتها بالسلطة، أو بتعلق النظم العربية القائمة بها، بمن فيها الأنظمة التي طالما حملت الحركة عليها ودعمت خصومها ومعارضيها، كما جرت عليه الأحوال في سوريا ومصر على وجه الخصوص.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلطة إذ تعيد تشكيل الحركة السلطة إذ تعيد تشكيل الحركة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

صبا مبارك تعتمد إطلالة غريبة في مهرجان البحر الأحمر

الرياض - المغرب اليوم

GMT 13:35 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيمان العاصي تكشف تفاصيل مشاركتها في حفل جوائز the best
المغرب اليوم - إيمان العاصي تكشف تفاصيل مشاركتها في حفل جوائز the best

GMT 16:08 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إنستغرام تتخلص من التحديث التلقائي المزعج عند فتح التطبيق

GMT 16:24 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الجدي" في كانون الأول 2019

GMT 06:43 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أمزازي يؤكد أن الإحباط يحدّ من الرقي بمستوى الجامعات

GMT 20:23 2017 الإثنين ,20 شباط / فبراير

محمد برابح ينتقل إلى فريق نيميخين الهولندي

GMT 01:58 2020 الإثنين ,30 آذار/ مارس

علامة صغيرة تشير إنك مصاب بفيروس كورونا

GMT 06:32 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم في إطلالة جذابة باللون الأسود

GMT 01:51 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين زفاف تُناسب شكل جسم العروس وتُظهر جمالها

GMT 14:27 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

محمود الخطيب يُشعل حماس لاعبي "الأهلي" قبل مواجهة "الترجي"

GMT 06:12 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"إيتون Eaton- واشنطن" عنوان مميَّز للفنادق الفخمة

GMT 14:01 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حياة "غريس موغابي" المرفهة تتحول إلى أمر صعب للغاية

GMT 09:11 2017 الأحد ,06 آب / أغسطس

توقعات أحوال الطقس في تمارة الأحد

GMT 00:50 2014 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

حقيقة التحاق الممثل "أمين الناجي" بتنظيم "داعش"

GMT 04:17 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

العثور على آثار من مصر والهند شرق إثيوبيا

GMT 16:07 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

شاب يذبح غريمه في بني ملال ويُرسله للطوارئ في حالة حرجة

GMT 00:17 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

كاظم الساهر يغني في منتجع "مازاغان" الشهر المقبل

GMT 12:00 2016 الثلاثاء ,26 إبريل / نيسان

نجوم بوليوود في عيد ميلاد فارون دهاون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib