«لبيك يا حسين» أم «لبيك يا عراق»

«لبيك يا حسين» أم «لبيك يا عراق»

المغرب اليوم -

«لبيك يا حسين» أم «لبيك يا عراق»

عريب الرنتاوي


حكم السيد نوري المالكي العراق لدورتين متتاليتين (2006 – 2014)، وصارع جاهداً في سبيل الحصول على ولاية ثالثة من دون جدوى، بعد أن توحد العراقيون أو كادوا، في مواجهته ... قبله تولى كل من الدكتور إياد العلاوي وإبراهيم الجعفري الحكم لمدة عام تقريباً لكل منهما، من دون احتساب ولايتهما الأولى زمن “مجلس الحكم” والتي امتدت لشهر واحد لكل منهما، ضمن نظام المداورة الشهرية على رئاسة المجلس. بعد ثمانية أعوام من حكم اتسم بالفردية والصلاحيات شبه المطلقة، خصوصاً في الولاية الثانية، يطالعنا السيد المالكي بتصريح يتحدث فيه عن “الحشد الشعبي” بوصفه “البديل الوحيد المتبقي” وضمانة العراق التي يتعين دعمها، إلى أن تنجز مهمة بناء جيش وطني عراقي... أين أنفقت كل تلك السنوات والمليارات وجهود التدريب والرعاية ... المالكي يلوم من جاءوا بعده، الذين لم يمكثوا بعد في السلطة، سوى أشهر معدودات. المضحك المبكي في تصريحات المالكي، أنها تزامنت مع بدء الهجوم المضاد الرمادي، والذي قرر الحشد الشعبي أن يعطيه اسماً كودياً: “لبيك يا حسين”، وبصورة كفيلة لا باستفزاز البيئة الحاضنة لداعش وأخواتها فحسب، بل ولألوف المتطوعين من مقاتلي العشائر السنيّة، الذين بالقطع، كانوا يفضلون اسماً آخر من نوع: لبيك يا عراق، أو لبيك يا أنبار أو أي اسم دالٍ على البعد الوطني، لا المذهبي للحملة العسكرية التي يُراد بها استرداد الرمادي وتحرير الأنبار وحفظ وحدة البلاد والعباد من التقسيم والتشظي. لسنا نعترض على معتقدات الشيعة، فنحن لا نعترض على معتقدات أي فئة من الناس، طالما ظلت في إطار الإيمانيات والروحانيات وممارسة الشعائر والطقوس والعبادات ... لكن حين تكون هذه المعتقدات، سبباً في إذكاء نيران الانقسام والفرقة الأهليين، حين تكون محركاً جباراً من محركات الفرز والاستقطاب والتنابذ، فإنها تندرج في سياق التحريض وثقافة الكراهية والغلو والمساس بالوحدة الوطنية، وهذا ما يفعله الحشد الشعبي (على خطى النصرة وداعش)، الذي بقدر ما تمسّ الحاجة إلى دوره في معارك الأنبار وغيرها، بقدر ما يثير من الخشية والقلق والتحسب لقادمات الأيام... في هذه النقطة بالذات، يتبادل الحشد وداعش الأدوار، ومن منهم ينظر لنفسه بالمرآة، سيرى صورة الآخر. التجربة المرة بدأت في تكريت، وما صاحب “التحرير” وأعقبه من ممارسات مليشياوية بائسة ... يجهد الحشد في إنكارها، لكن مجرد الإصرار على إعطاء عملية تحرير الرمادي هذا الاسم، يعني أن القوم لم يراعوا ... وأنهم ماضون في خطابهم وممارساتهم المذهبية حتى نهاية الشوط، وهما (الخطاب والممارسة) اللذان كانت لهما أدوار لا تنكر في تخصيب البيئة الحاضنة لداعش، ورفدها بكل العناصر الكفيلة بجعلها (باقية وتمدد). لا أحد على ما يبدو، يريد أن يتعلم من دروس التجربة السابقة، وأهمها على الإطلاق أن “الهوية الدينية”، طائفية كانت أم مذهبية، هي نقيض “الهوية الوطنية/ القومية” ... فنشوء حزب إسلامي يستدعي بالضرورة تشكيل حزب مسيحي ... وقيام مليشيا شيعية يستوجب استيلاد ميليشيا سنيّة ... أحزاب شوفينية عربية، دفعت بالأقليات القومية الأخرى لولوج طريق الانفصال، من شمال أفريقيا وحتى جبال كردستان، مروراً بجنوب السودان، حيث امتزج “الإقصاء” القومي بالديني  ... أما التفتيت فلن يقف عند حد، فالهويات الفرعية في غياب الهوية الكلية الجمعية والجامعة، تتناسل باستمرار ولا “قعر” لمسار التفسخ والانقسام... والعراقيون كغيرهم، بل وأكثر من غيرهم، دفعوا أثماناً باهظة لسياسات الإقصاء والإلغاء والتهميش، منذ أزيد من نصف قرن تقريباً وحتى يومنا هذا. تحت راية “لبيك يا عراق” يمكن لرجالات الصحوة العشائرية العراقية (محمد ويزيد ومعاوية وعمر) أن يستبسلوا في الدفاع عن مدينتهم وأن يقدموا الغالي والنفيس من أجل استردادها ... أما تحت راية “لبيك يا حسين”، فأحسب أنهم سينامون بعيون نصف مغمضة، خشية أن يدفعوا حيواتهم ثمناً للحظة اهتياج غرائزي، تسترجع “ثارات الحسين” وتطالب بالقصاص من قتلته القدامى، وبالأخص: الجدد. خلاصة القول، إن تحرير العراق من داعش (إن تم ذلك في المدى المنظور)، لن يكون سوى فصل جديد آخر في مسلسل الأزمة العراقية المفتوحة على شتى الاحتمالات والسيناريوهات، تماماً مثلما كان سقوط نظام الرئيس صدام حسين في العام 2003، الذي أغلق فصلاً وفتح آخر أكثر دموية وخطورة على مستقبل البلاد والعباد ... وقد نكون بعد حين قصير من الوقت، أمام تحدي “ضبضبة” مليشيات الحشد الشعبي، التي يتعاظم دورها وتأثيرها، بما يحيلها إلى عبء على العراق، لا ضمانة له، وسبب لمشكلاته اللاحقة، لا أداة للتصدي لها ومعالجتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«لبيك يا حسين» أم «لبيك يا عراق» «لبيك يا حسين» أم «لبيك يا عراق»



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib