عن الأرمن والعرب وقرن من التشرد

عن الأرمن والعرب وقرن من التشرد

المغرب اليوم -

عن الأرمن والعرب وقرن من التشرد

طلال سلمان


 

من حق مواطنينا الأرمن ان يستذكروا، بوجع، حملة الإبادة التي شنتها جيوش السلطنة العثمانية عليهم في بلادهم، قبل مائة من السنين، فقتلت أكثر من مليون رجل وإمرأة وطفل، وشردت عشرات الآلاف منهم في أربع رياح الأرض..
ومن حقهم علينا أن نتعاطف معهم (كشعب وكمواطنين بيننا) تعاطف الضحية مع الضحية، خصوصاً وأننا ـ كعرب ـ نعيش محنة قد تختلف في معطياتها لكنها تتماثل في النتائج، لا سيما إذا ما اختصرت في أعداد الضحايا... مع فارق مؤثر وهو أن العرب كانوا ضحية مرتين في الفترة ذاتها: للاحتلال التركي ثم للتواطؤ البريطاني الفرنسي لتقاسم بلادهم في المشرق تحديداً... مع إضافة نوعية مميزة: وعد بلفور الذي أعطى فيه من لا يملك (وزير خارجية بريطانيا) من لا يستحق (الحركة الصهيونية) أرض فلسطين، وشعبها فيها.
وهكذا توزع البريطانيون والفرنسيون المشرق العربي، متعهدين «بزراعة» إسرائيل (بالقوة بعد الحيلة) في أرضه لتفصل بين العرب في آسيا والعرب في افريقيا بدولة إسرائيل العنصرية التي قامت بالحرب ولا تبقى إلا بها.
على ان عدد الضحايا العرب مرشح للازدياد، كما انهم يختلفون عن الأرمن بأنهم يخسرون ـ يومياً ـ مقومات دولهم التي أنشئت بما يناسب مصالح الغير وبمعزل عن معطيات التاريخ والجغرافيا والأصول والفروع والانساب.
بالمقابل فإن دولة أرمينيا قد خرجت من التجربة السوفياتية دولة موحدة، وهي الآن تستقطب اهتمام الشرق والغرب وقد أعاد أهلها بناءها لتكون دولة الأرمن حيثما تواجدوا... وهم قد توحدوا في الشتات على اختلاف أحزابهم وتنظيماتهم ومذاهبهم، وحفظوا هويتهم الاصلية متجاوزين أسباب الفرقة والانقسام، ثم تقدموا في «أوطانهم الجديدة» لنصرة المهددين في مصيرهم بخسارة الأرمن والهوية مثلهم، وهكذا برز من بينهم مناضلون قاتلوا الاحتلال الإسرائيلي مع مجاهدي الشعب الفلسطيني المظلوم واستشهدوا على ارض فلسطين أو في الطريق إليها.
وبرغم ان نفرا من الأرمن في لبنان، قد انساق مع بعض المتطرفين في محيط سكنه فانتمى الى تنظيمات وميليشيات طائفية زجت به في الحرب الاهلية ـ اللبنانية، الا ان الأكثرية الساحقة منهم لم تتورط فيها، كما ان قيادات ناضجة بينهم حاولت ان تلعب دور الاطفائي احياناً، والوسيط الحريص على وحدة البلاد وشعبها في غالب الأحيان.
اما العرب فتصرفوا ويتصرفون عكس ذلك تماماً: لقد انقسموا سياسياً، وبفضل انظمتهم، إلى حد الاقتتال وتدمير الأوطان.. وها هم الآن ينقسمون طائفياً ومذهبياً إلى حد تدمير الهوية القومية والدين الحنيف وإلحاق الأذى بالأقليات من أبناء هذه الأرض، الثابتين فيها على مر الازمان واختلاف الدول المهيمنة وسياساتها.
وبعد ضياع فلسطين وتطلع إسرائيل الى لعب دور الدولة العظمى في «الشرق الأوسط الجديد»، كما أسمت الإدارة الأميركية بلادنا، وانهيار الدولة في لبنان، ثم في العراق، وتهالكها في مصر ثم في سوريا وانهيارها في ليبيا، ها هي الحرب السعودية على اليمن تكمل دائرة الخراب وتجعل المصير العربي جميعا، دولاً وشعوبا، في مهب الريح... فالنفط، وحده، لا ينشئ دولاً ولا يحمي الشعوب صاحبة الثروة نظريا.
ذلك ان النفط لم يكن ولن يكون لأهله، في أي يوم، طالما ظلوا بلا دول، بالمعنى البسيط للكلمة، وبلا أنظمة ديموقراطية، بالمعنى العصري للنظام.
قد يشتري النفط احدث الأسلحة وأقواها لتدمير بلاد الاخوة الفقراء، كما نشهد في «عاصفة الحزم» السعودية... لكنه سيظل هو هو مصدر الخطر على الأنظمة التي تحتكر الثروة وتذل بها شعبها قبل الشعوب الشقيقة.
... وها هو النفط قد اسهم في تدمير الدولة في ليبيا بدلاً من حفظها وتأمين الطريق إلى مستقبلها في ظل حكم «فرد» واحد، ومعه أسرته، بالسلطة والثروة والسلاح.
ترى لو كان في أرمينيا كميات خرافية من النفط، هل كانت خسرت شعبها وهويتها وتحولت إلى مصدر خطر على أهلها وجيرانها (وكلهم فقراء) كما في أرضنا العربية؟
أخيراً، أين موقع ادلب وجسر الشغور على الخريطة الجديدة للصراع العربي ـ العربي، بعيداً عن هذا كله؟ وهل تطالها نيران «عاصفة الحزم»؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الأرمن والعرب وقرن من التشرد عن الأرمن والعرب وقرن من التشرد



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib