الحرب فى سوريا وعليها هل ينجح مؤتمر جنيف

الحرب فى سوريا وعليها.. هل ينجح مؤتمر جنيف؟

المغرب اليوم -

الحرب فى سوريا وعليها هل ينجح مؤتمر جنيف

بقلم : طلال سلمان

وأخيرا أمكن انعقاد مؤتمر جنيف للمسألة السورية ليجمع وفد الحكومة فى دمشق مع وفود المعارضات المختلفة ــ المؤتلفة، الآتى بعضها من الرياض وبعض آخر من الدوحة وبعض ثالث من القاهرة وبعض رابع من موسكو وبعض خامس من دمشق، وبعض سادس من أنقرة.. الرعاية الرسمية للأمم المتحدة، والرعاية الفعلية للحيوية الروسية والنشاط الاستثنائى لخارجيتها والمتابعة المباشرة للرئيس بوتين، الذى نجح فى رفع « الفيتو» الأمريكى أساسا عن محاولة الوصول إلى تسوية للحرب المفتوحة على سوريا وفيها منذ خمس سنوات أو أكثر.

الإنجاز الأخطر أن المؤتمر قد انعقد فعلا، تحت راية الأمم المتحدة، وبفضل الحيوية الدبلوماسية الروسية، والتحولات الكبيرة «على الأرض» متمثلة بإنجازات ميدانية حققها الجيش السورى والقوات الحليفة بدعم روسى فعال نجح فى تحجيم التدخل التركى «برشاوى» مباشرة... مبطنة بمعرفة تفصيلية بمواضع الخلل فى العلاقات التركية الامريكية والذى يُنذر بأزمة جدية فى العلاقات بين الحليفين التاريخيين، وقد كان «العداء» المشترك لروسيا، سواء كانت قيصرية أم شيوعية أم بوتينية هو الجامع – الأساس بينهما.

ومع أنه من غير المؤكد أن يُحدث المؤتمر اختراقا تاريخيا فى جدار الأزمة التى تتهدد سوريا فى دولتها وفى وحدة شعبها، ومن ثم كيانها السياسى، فمن المنطقى أن نفترض أن ما بعد هذا المؤتمر لن يكون كما قبله.

جميع الأطراف، فى الداخل والخارج، متعبة.. لكن «الوحدة الوطنية» فى سوريا راسخة، وقد واجهت تحديات خطيرة فى الماضى وتجاوزتها منتصرة:

واجهت محاولة تقسيم سوريا، بعد الاحتلال الفرنسى أثر الحرب العالمية الأولى وسقوط الامبراطورية العثمانية، وانتصر الشعب بوحدته الراسخة على محاولة تقسيم الأرض الوطنية على قواعد طائفية ومذهبية (سنة، علويون، دروز ومسيحيون..).

كذلك واجه الشعب السورى الانقلابات العسكرية التى تعاقب على تنفيذها ضباط الجيش من مختلف الطوائف، وكان أولها فى العام 1949 وبإيحاء أمريكى تمهيدا لمد خطوط النفط السعودى إلى الشاطئ اللبنانى عبر سوريا (التابلاين ــ انقلاب حسنى الزعيم).. ولإضعاف سوريا فى مواجهة الكيان الاسرائيلى الذى استنبت على أرض فلسطين.

وكانت نكبة فلسطين المبرر المعلن.. لكن الحقيقة سرعان ما تكشفت تفاصيلها خصوصا وأن المدنيين فى سوريا قد سابقوا الجيش الرسمى، كمتطوعين، لقتال العصابات الصهيونية فى العام 1948، وكان بينهم قادة سياسيون (أكرم الحورانى، مثلا) كما أن كثيرا من ضباط الجيش وعناصره قد اختاروا أن يتركوه إلى «جيش الانقاذ» مع قوافل من المدنيين(مهندسين وعمالا وأساتذة مدارس) ليقاتلوا من أجل فلسطين.

وبرغم تعدد الانقلابات العسكرية ما بين 1949 و 1958 فإن الوحدة الوطنية فى سوريا، قد صمدت، برغم تعدد قياداتها طائفيا ومذهبيا.. ولعل صمودها هو الذى دفع بالجيش السورى إلى الذهاب إلى جمال عبدالناصر فى القاهرة، مطالبا بالوحدة مع مصر ليحمى سوريا من «حلف بغداد» الذى شاركت فى اقامته بريطانيا مع تركيا وباكستان، برعاية أمريكية... وهكذا قامت «الجمهورية العربية المتحدة» لتكون أول تجربة وحدوية فى التاريخ العربى الحديث.

وبعد انهيار دولة الوحدة، بانقلاب عسكرى، تجددت لعبة الانقلابات للسيطرة على السلطة بعدما استمرأ «العسكر» لعبة الحكم، إلى أن نجح حافظ الاسد فى انجاز الانقلاب العسكرى الأخير، وتوطيد ركائز السلطة والاستمرار على رأسها لمدة ثلاثين عاما متوالية، خاض خلالها حربين مع العدو الاسرائيلى: الأولى انتهت بهزيمة 1967، وكانت المسئولية فيها على «القيادة السياسية» التى كانت تحكم باسم حزب البعث، أما الثانية فقد انتهت فى خريف 1973 بانسحاب مصر ــ السادات منها، بعد المواجهات الناجحة فى عبور القناة والتقدم فى سيناء وكسر خط بارليف، بينما تقدم الجيش السورى فاسترد معظم الجولان مع المرصد الاسرائيلى فى جبل الشيخ.. فلما أوقف السادات الحرب على الجبهة المصرية، ركز الجيش الاسرائيلى على جبهة الجولان وكانت مواجهات شرسة شاركت فيها آلاف الدبابات (وبعضها جاء من العراق للمساعدة) وانتهت بوقف لإطلاق النار، بغير انتصاره.

***
بعد وفاة الرئيس حافظ الاسد، الذى حكم مباشرة سوريا لمدة ثلاثين سنة متصلة، محافظا على شعارات حزب البعث، بعدما عزز موقعه الرمزى بجبهة ائتلافية ضمت بعض «الاحزاب» الخارجة منه، والحزب الشيوعى بقيادة خالد بكداش (ثم زوجته)، وبقايا احزاب وتجمعات سياسية أبرزها الحزب السورى القومى الاجتماعى... إلخ.

بعد هذه الوفاة اهتزت صورة الوضع فى سوريا. لقد رحل «الرجل القوى» الذى طالما وُصف «بالداهية».

كان حافظ الأسد شخصية قيادية فى غاية الذكاء، وقد حرص على كسب ولاء مختلف القوى السياسية، وعندما خرج عليه «الاخوان» ضربهم بعنف حتى كاد يستأصلهم.

فى سنوات حكمه الأخيرة كان حافظ الأسد قد أرهق صحيا، خصوصا وأنه خسر نجله الأكبر، باسل، الذى كان يعده لوراثته.. فكان أن استدعى ابنه الثانى بشار الذى كان ينهى تخصصه فى طب العيون من لندن، وأعده على عجل ليكون «الخليفة». ولعله كان تصرفا محكوما بالعاطفة أكثر مما يرتكز على رغبة نجله بشار واستعداده.

المهم أن الدكتور بشار الأسد باشر حكمه فى جو من التعاطف الشعبى والتأييد العربى الموروث. لكن «بطانة السوء» أغرته بالاندفاع فى طريق الانفتاح. وقد شجعه بعض حكام الخليج (لا سيما قطر)، وهللت له تركيا التى اندفعت تغزو سوريا بإنتاجها، وتغرى أصحاب الصناعات فى سوريا، وحلب أساسا، بالانتقال إلى الجوار التركى حيث «السوق أوسع واليد العاملة أرخص».. واكتسحت البضائع التركية والصينية الرخيصة السوق السورية، فأصيبت الصناعة السورية بنكسة وانتقل بعض أهلها إلى القاهرة، بينما انتعش السماسرة وأركان القطاع الخاص، وتزايد بؤس الفلاحين فى بلد يعتمد اقتصاده بنسبة ملحوظة على انتاجه الزراعى.

كان ذلك بمثابة « انقلاب كامل» على نهج الأب الذى تحولت سوريا فى عهده إلى دولة مكتفية زراعيا وصناعيا، ومنتعشة اجتماعيا (بالقياس إلى ما كانت عليه من قبل). ثم جاء الصدام مع بعض أقطار الخليج (وقطر أساسا) بسبب الموقف من «الاخوان».

فى هذه الأثناء كان بعض أقطار الخليج توطد علاقاتها إلى حد «التحالف» مع تركيا.. وتحاول «اصطياد» سوريا بالمساعدات والقروض والزيارات وبناء القصور فيها، ومحاولة «رشوة« النظام ببناء قصر بحرى لبشار الأسد فى الدوحة.

ولقد ضربت سياسة الانفتاح غير المدروسة فى دولة كانت تعتمد القطاع العام أساسا لاقتصادها الطبقات المتوسطة والفقيرة والتى كانت عماد النظام.

***
وككل نظام عسكرى بواجهة سياسية لا تغطى سيطرة أجهزة المخابرات على الحكم تسبب تفاقم الوضع الاقتصادى فى اهتزاز علاقة النظام بجمهوره من الطبقة الوسطى والفقراء.

وكانت تلك هى اللحظة المناسبة لاندفاع خصومه فى الخارج، من تُركٍ وبعض عرب الخليج، بينما علاقاته مختلة مع الولايات المتحدة وبعض أوروبا، إلى مساندة حركة الاعتراض التى أطلت بتظاهرات طلابية فى درعا قمعها النظام بشراسة قاتلة.

بالمقابل، وجد النظام العربى الفرصة سانحة للتكتل ومساندة المعارضة، ثم التقدم إلى تسليحها، ومحاصرته سياسيا، عربيا إلى حد « طرده» من الجامعة العربية، بينما سوريا دولة مؤسسة لهذه الجامعة فى حين لم تكن دول الخليج قد استولدت بعد، ودوليا باستنفار المطامع التركية، والعلاقة الباردة بين دمشق وعواصم أوروبية عديدة.

***
ولسوف تمر ثلاث سنوات أو أربع صعبة على السوريين، سالت فيها دماؤهم فى حرب بلا أفق، تتولى فيها دول عربية عدة تسليح المعارضات المختلفة وتمويلها، وتحريض الغرب بعاصمته الأمريكية على النظام، فى حين كانت روسيا البعيدة تتابع الموقف بشيء من الحيدة الباردة، حتى اشتد الخطر على الكيان السورى نفسه، مع تعاظم التدخل التركى المغطى عربيا بدول الخليج معززة بالشعار الاسلامى.

وهكذا اختارت موسكو اللحظة المناسبة لنجدة النظام، مستفيدة من «الحيدة» الأمريكية فى أواخر عهد الرئيس أوباما، ومن أزمة أردوغان فى تركيا، بعد «مؤامرة» الاسلاميين من جماعة «عبدالله غولن»، ومن نتائج حرب اليمن التى شنتها السعودية ومعها معظم دول الخليج على اليمن من دون أى مبرر.

كان جميع الأطراف يعانون من أزمات خطيرة متعددة الأسباب. وكانت أيدى روسيا طليقة، وواشنطن فى حالة شلل، وأوروبا تعانى من ضربات تنظيم «داعش» الذى كان قد احتل نصف العراق وأخذ يهدد دول المنطقة جميعا.

وهكذا استطاعت روسيا أن تعدل جذريا، عبر مساعدة النظام، فى خريطة الصراع عسكريا مما فتح الباب للتفاوض، فكان مؤتمر جنيف، كما أنها أفادت من تراجع المحور المضاد لفتح الباب أمام تسوية سلمية للصراع، لا تزال غامضة وتحتاج مزيدا من الوقت والدم!

المصدر : جريدة الشروق

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرب فى سوريا وعليها هل ينجح مؤتمر جنيف الحرب فى سوريا وعليها هل ينجح مؤتمر جنيف



GMT 00:27 2022 السبت ,23 إبريل / نيسان

في وداع لبنان

GMT 09:30 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

كيف الخلاص من .. الشيكل ؟

GMT 03:30 2017 الإثنين ,10 تموز / يوليو

عن العرب المحاصرين بحرب النفط والغاز

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib