محمد بن سلمان وإدارة أزمة ترامب

محمد بن سلمان وإدارة أزمة ترامب

المغرب اليوم -

محمد بن سلمان وإدارة أزمة ترامب

بقلم : عماد الدين أديب

حوار ولى العهد السعودى، سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز أمس الأول مع «بلومبيرج» دقيق، وشجاع، وحكيم فى وقت متوتر، ومضطرب وملىء بالحماقات من كل نوع.

مثلث «الدقة، والشجاعة، والحكمة»، هو تأكيد أن «الابن سر أبيه»، فهكذا كان وعاش الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ أن تولى أول منصب عام له فى 16 مارس 1954 حينما عين أميراً للرياض بالنيابة عن أخيه نايف، رحمه الله، رجل دقيق منضبط شجاع محل ثقة الجميع حتى صار أمين سر العائلة المالكة على مر العصور.

من يعرف الأب جيداً، سوف يعرف الابن محمد جيداً، ويلاحظ تلك «الجينات السياسية المتوارثة».

لذلك نجد أن المتابع والمحلل لقرارات ولى العهد السعودى سوف يكتشف أنها تتميز بهذه الصفات الثلاث «الدقة، الشجاعة، الحكمة».

وحوار بلومبيرج الأخير، جاء ترجمة دقيقة لهذا «المثلث»، فهو حقق مجموعة من الأهداف الصعبة التى يصعب ويندر أن تجتمع فى آن واحد، وفى موقف واحد، وهى:

1- رد رداً حاسماً على مسلسل ترامب، الذى استمر لمدة أسبوع، يطالب بإلحاح بأن «تدفع له السعودية مقابل الحماية». وجاء الرد واضحاً صريحاً: «لن ندفع شيئاً مقابل أمننا».

2- جاءت مفردات الرد مهذبة، حازمة للغاية لكن غير تصادمية، حتى لا يتحقق لأعداء المملكة فى اليمن وإيران وقطر وتركيا حلمهم المتجدد «بخسارة المملكة لحليفها الاستراتيجى التاريخى، وهو الولايات المتحدة الأمريكية».

3- جاء الرد، وهذا هو الأهم فى نظرى، مجدداً الثقة للرأى العام السعودى الذى استفزه كلام ترامب المتكرر عن هذه المسألة، بأن قيادة المملكة على كل مستوياتها تحافظ على سيادتها الوطنية واستقلالها، ولا تقبل أى نوع من التجاوز السياسى، أو أى شكل من أشكال الضغوط المباشرة أو غير المباشرة، حتى لو كان من الرئيس الأمريكى.

لذلك أستطيع أن أؤكد من المتابعة اللاحقة بتصريحات الأمير محمد أن هناك ارتياحاً كبيراً لهذه التصريحات، خاصة داخل قطاع الشباب السعودى على وسائل التواصل الاجتماعى جميعها.

4- كانت عبارات الأمير محمد فى هذا الحوار دقيقة وذكية، خاصة حينما قال:

أ- «إن السعودية تحتاج إلى ما يقارب ألفى عام، لكى، ربما، تواجه بعض المخاطر».

ب- «يجب عليك تقبل مسألة أن أى صديق سيقول أموراً جيدة وسيئة، لذلك لا يمكنك أن تحظى بأصدقاء يقولون أموراً جيدة عنك بنسبة 100٪»، هنا خاطب الأمير محمد الأمريكان بمنطقهم، وهو «منطق احترام حق الاختلاف».

جـ - «لن ندفع شيئاً مقابل أمننا، نعتقد أن جميع الأسلحة التى حصلنا عليها من الولايات المتحدة الأمريكية قد دفعنا من أجلها، وأنها ليست أسلحة مجانية» لم يتزيّد الأمير فى ذلك، ولم يقل نحن لا نحصل على حسنة منكم!

د - هنا نأتى إلى أشد عبارات الحوار ذكاء ومهارة، يعيدك فيها الكلام والعبارات المستخدمة بذكاء إلى «ثقافة الذكاء النجدى الموروث من صحراء منطقة نجد»، الآتى من تراث الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، مؤسس الدولة السعودية المعاصرة، وهى نظرية كيف تضرب بقوة دون أن تجرح!

قال الأمير محمد: «قبل عامين، كانت لدينا استراتيجية لتحويل معظم تسلحنا إلى دول أخرى، ولكن عندما أصبح ترامب رئيساً، قمنا بتغيير استراتيجيتنا للتسلح مرة أخرى للـ10 أعوام القادمة».

الكلام بمنتهى الذكاء والتهذيب يشرح الفرصة التاريخية التى أهديت لترامب والتى تقدر بـ400 مليار دولار، والتى يمكن أن تضيع منه دون أن يتم النطق بحرف واحد، مباشر أو غير مباشر من التلويح بالتهديد.

هـ - قال الأمير محمد: «أنا أحب العمل معه، يقصد ترامب، أنا حقاً أحب العمل معه ولقد حققنا الكثير فى الشرق الأوسط».

جاءت هذه العبارة فوراً عقب العبارة السابقة لتطبيق نظرية «العصا والجزرة» الأمريكية الشهيرة، والتى تم إدارتها فى هذا الحوار بذكاء نادر وحرفية سياسية متقنة، هنا كما يقول أهل مصر «الأمير بيضرب من ناحية، ويلاقى من ناحية ثانية».

و- شرح الأمير محمد بشكل تقنى احترافى مسألة قيام بلاده بالاستجابة لطلب ترامب بزيادة النقص فى المعروض من إيران بسبب العقوبات شرح الابن ذلك دون «تزيّد» أو «تفضل» على الأمريكيين، وفى ذلك الوقت كان ذلك رداً صريحاً ومباشراً على مسألة اتهام الدول المنتجة للبترول برفع أسعار النفط، وكأنه يقول لترامب لسنا السبب فى رفع الأسعار، بل نحن تدخلنا لننقذ الأسعار من الارتفاع الجنونى، لو لم يتم تعويض نقص الإنتاج الإيرانى.

يتضح من هذا الحوار، أنه يمكن الشعور بالاطمئنان على فهم وتقدير ووطنية ذلك الشاب الجالس فى المقعد الثانى لحكم المملكة العربية السعودية.

إنه زمن قياسى لمن استطاع استيعاب كل تلك التحديات والملفات، رغم أنه بدأ عمله السياسى كمستشار غير متفرغ فى هيئة الخبراء لمجلس الوزراء السعودى فى أبريل 2007.

إنه مثلث: الدقة، الحكمة، الشجاعة يتحرك للتعامل مع ملفات الأزمة، ومع كل تجربة وكل تعامل يومى، يزداد منحنى التعلم والنضوج والخبرة.

حوار بلومبيرج أشعرنى، كما أشعر الكثيرين، بأن السعودية فى يد أمينة وخبيرة وتحافظ -وهذا هو الأهم- على سيادتها الوطنية دون عنتريات أو جر البلاد إلى خسائر غير مبررة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمد بن سلمان وإدارة أزمة ترامب محمد بن سلمان وإدارة أزمة ترامب



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib