مشكلتنا مع اتفاق لوزان وإيران

مشكلتنا مع اتفاق لوزان وإيران

المغرب اليوم -

مشكلتنا مع اتفاق لوزان وإيران

عبد الرحمن الراشد


نحن في وسط جدل كبير بسبب الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني مع الغرب، واستباقًا لقمة كامب ديفيد، التي قرر الرئيس الأميركي باراك أوباما عقدها مع قادة دول الخليج العربية حول الاتفاق وتبعاته، فالنقاش يزداد حدة.
آخر المبشرين به هو فالي نصر، خبير في شؤون المنطقة، وكاتب، وأستاذ علوم سياسية، ومستشار لعدد من الدوائر الرسمية في واشنطن. كتب في «نيويورك تايمز» مستغربًا لماذا العرب غير راضين عن الاتفاق الإيراني - الغربي الذي يراه يَصب في مصلحتهم. يؤمن بأن اتفاق لوزان سيدمج إيران في الاقتصاد العالمي، وهذا وحده سيقيد سياسة حكومة طهران في المنطقة وسلوكها. يقول نصر منتقدًا إن الدول العربية حتى الآن تعمل بمنطق معاكس؛ لأنها تعتقد أن إيران المسؤولة الرئيسية عن عدم استقرار بلدانهم، وأن عدوانيتها غير قابلة للعلاج. ويرى أن الدول العربية تلوح أمامها فرصة عظيمة للتفرغ لتنمية اقتصاداتها، التي تمثل التحدي الحقيقي لها، مستفيدة من التزام الإيرانيين بالاتفاق.
رأيه ترديد لما خطب به الرئيس الأميركي باراك أوباما في مقابلته مع توماس فريدمان من أن العرب يلقون بالملامة على جارتهم إيران لكن الخطر عليهم داخلي.
فهل نحن مصابون بمرض الارتياب من إيران، أم أن السيد نصر مجرد بائع سيارات مستعملة، يظن أنه قادر على أن يسوق لنا ما فشلت فيه الإدارة الأميركية؟
أولاً، لسنا في حالة جزع من الاتفاق المقبل، بل هي حالة غضب. كان العرب يتمنون ألا يهتم أوباما فقط بتعطيل قدرات إيران النووية والسكوت عن سياستها وسلوكها العدواني. إيران ليست كوبا، مجرد بلد شيوعي عجوز، كل طموحاته اليوم أن يبيع السيجار والسياحة للأميركيين، وانتهى خطره بانهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينات. في الحقيقة إيران تشابه كوريا الشمالية، دولة تؤمن بالقوة والمواجهة وتعتمد المراوغة. هذا ليس مرض ارتياب، بل سجل طويل من تبني إيران ورعايتها العنف في المنطقة. ومسؤولو إيران يفاخرون علانية بوجود ميليشياتها، ورجالها تشارك في القتال في سوريا والعراق، وهي من رعى ودعم المتمردين الحوثيين في اليمن لسنين، وكان آخر من أكد ذلك وزير الخارجية الأميركي جون كيري نفسه. وأستغرب أن أستاذًا مثل نصر يقول إن اليمن أصلاً يعاني من حروب إثنية منذ عقود فلا تلام عليها إيران. هذا ليس صحيحًا. قد يعني الصومال أو لبنان، أما اليمن فقد ظل بلدًا تعايش فيه سنته وزيديته في سلام. نزاعاته القبلية محدودة وعلى مدى سنين لم تكن هناك اشتباكات إلا بين الحوثيين والحكومة المركزية، أما السنة والزيدية فلم يكونوا طرفًا إلا منذ العام الماضي!
المشكلة مع إيران ليست طائفية، وإن كانت تتبنى علانية وتمول التطرف الشيعي مثل «حزب الله» اللبناني، بل صلب سياستها تمويل جماعات مسلحة مختلفة حتى السنية مثل «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية و«حماس» أيضًا.
لا يمكن أن نتهم بالارتياب وأمامنا سجل إيراني لثلاثين سنة، من رعاية الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، والمفارقة أن نشاط إيران العدواني ازداد بشكل مضاعف خلال مفاوضاتها الأشهر الماضية مع مجموعة «5+1» الغربية.
ويقترح نصر أن تستفيد دول الخليج من سنوات التجميد النووية الإيرانية للالتفات إلى تطوير اقتصاداتها بدلا من الانخراط في مكافحة إيران، فهل يُبين لنا كيف؟
إن زيارة لضفتي الخليج تبين طبيعة النظامين، تشبه تمامًا معالم الحدود الفاصلة بين الكوريتين الشمالية والجنوبية. على الضفة الشرقية، حيث إيران، شواطئ مهجورة، وجبال مقفرة، ومعسكرات حربية كبيرة. تقابلها على الضفة الشرقية، حيث ست دول خليجية، حواضر حديثة مزدهرة، ومجمعات صناعية بتروكيماوية عملاقة، ومصافي بترول، ومدن صناعية متعددة. لا يوجد لإيران ما تخسره في حال استهدافها دول الخليج، لأنها أنفقت معظم مدخراتها على تطوير قدراتها العسكرية، فكيف بما يريده فالي نصر منها عندما يقرر الرئيس أوباما أن يحرر إيران من القفص؟ هل تضع الدول الخليجية ثقتها في الاتفاق وتنام على وسادة من ريش النعام؟
فالاتفاق محصور فقط في منعها من التسلّح النووي لعشر سنوات على الأقل، ولا يعنى بنشاطاتها العدوانية الأخرى التي هي أخطر بالنسبة للعرب. إنه مثل أن توقع دول الغرب اتفاقًا نوويًّا مع كوريا الشمالية ثم تسحب قواتها من منطقة الحدود العازلة المنزوعة من السلاح، هل يمكن أن نثق أن كوريا الشمالية لن تزحف قواتها على سيول من دون التزام؟ والتحديات مع إيران ليست فَقَط عسكرية بل أمنية أيضًا.
ما الذي كان يمكن إنجازه في مشروع الاتفاق مع إيران ولم يتم؟ أتصور أنه كان بالإمكان تضمينه شروطًا تعالج مصدر التوتر، للجميع، من بينها ضمانات تطمئن إيران إلى أنه لن يحدث عدوان عليها من إسرائيل والغرب، حيث تدعي دائمًا أنه هاجسها وهو سبب تطوير قدراتها العسكرية التقليدية وكذلك النووية. ومنح هذا الضمان لدول المنطقة العربية المحاذية لإيران، التي بدورها تعتقد أن التسلّح الإيراني هدفه دولها. وضم دول المنطقة المعنية بالتوتر مع إيران، بما في ذلك إسرائيل، لوضع اتفاق يطمئن الجميع وينزع أسباب التوتر.
وعندما تفاوضت الولايات المتحدة مع حكومة بيونغ يانغ على برنامجها النووي عمدت إلى إشراك دول المنطقة المعنية هناك، بِمَا فيها اليابان وكوريا الجنوبية، أما في الملف الإيراني فكل دول المنطقة وضعت في الظلام، وكانت تسمع عن الاتفاق أنباء مسربة في الصحافة الإسرائيلية والأميركية! فالاتفاق غامض ويعالج فقط حاجات الغرب وحده!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشكلتنا مع اتفاق لوزان وإيران مشكلتنا مع اتفاق لوزان وإيران



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib