هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

المغرب اليوم -

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي

عبد الرحمن الراشد
بقلم : عبد الرحمن الراشد

في العلا، شاركتُ في منتدى غلبت عليه الصراحةُ عن توترات العلاقاتِ السعودية الأميركية وما تفرَّع عنها، نظَّمه مركز «ثنك»، عن الدبلوماسية والشؤون العسكرية، والاقتصادية، والتقنية، والثقافية، تناقشت فيه شخصيات من الجانبين. ولأنَّها مغلقة، ليس بمقدوري استعراض ما دار، إنَّما يمكن أن أستعير جملةً واحدةً بسيطةً ومهمة: «المملكة العربية السعودية اليوم ليست السعودية قبل خمس سنوات، والولايات المتحدة اليوم ليست أميركا الأمس، وفي الوقت نفسه القيادة السعودية والحزب الديمقراطي باقيان معنا».

عندما تكون أبسطُ الحقائقِ واضحةً يصبح النقاشُ واقعياً مثمراً، بدل الجدلِ العاطفي عن سنوات من العلاقات والمصالح.
الاعتبارات التي قادت إلى المراجعاتِ الجديدة بين الحكومتين ليست كلُّها سلبية؛ عكست ضرورات العلاقات الثنائية وفق مصالح عليا. من الواضح أنَّ خسارة العلاقة الخاصة مع واشنطن لن تقود إلى انهيار المملكة، هذه خرافة ينقضها نحو مائةِ عام من الحكم السعودي الحديث الأطول والأكثر استقراراً. والعلاقة مع الصين ليست عاطفيةً، بل ستقوم على المصالح؛ علاقة مشترٍ وبائع للنفط والسيارات والهواتف وغيرها. حتى لو خفضت العلاقة، سيستمر السعوديون يستمتعون بالفرجة على أفلام «نتفليكس» الأميركية، من دون الحاجة إلى التزامات سياسية كبرى، وستقوم الصين لاحقاً بحماية طريق تجارتِها، ومناطقِ البترول سواء من خلال موفديها الدبلوماسيين، أو تضطر مستقبلاً إلى بعث بوارجِها، كما فعلَ مِن قبل البرتغاليون والإنجليز والأميركان لحماية مسارات تجارتِهم في منطقتنا.
أعتقد أنَّنا تجاوزنا مرحلة الخلافات الخطرة، ولسنا في مرحلة طلاق مع الولايات المتحدة، بل في جلسات مصارحة وإعادة ترتيب العلاقة. وهذا هو لبُّ الموضوع.
من جانبِنا، الخطأ أنَّنا نتوقَّع الكثيرَ من علاقات الماضي ونبني عليها. نعم، كانت علاقات مهمةً، وحيوية، وناجحة خدمت البلدين لعقود. كان ذلك في السابق؛ شراكات البترول، ومواجهات الشيوعيين في أنحاء العالم، وصدّ البعثيين، وتحرير الكويت، والتنمية، وجيوش المبتعثين في الجامعات، والتبادل التجاري الهائل. أيضاً، لم تكن دائماً عسلاً على سمن، تخللتها اختلافاتٌ سياسية، وطرد سفراء، وخيبات عسكرية، ومشادات إعلامية. كانت تلك حقبة طويلة، والأرجح أنَّنا نبدأ فصلاً جديداً، وأتوقَّع أن يكون أفضلَ من السبعين سنة الماضية.
هل يمكن أن توجد علاقة «استراتيجية» من دون بترول؟ واشنطن عندما تسلَّلت إلى المنطقة كان تسلّلُها فقط من أجل النفط... هل توجد من دون أن تلعبَ الرياض دورَها القديم في الحرب الباردة ضد خصوم واشنطن؟
ستبدي الأيام المقبلة أنَّ الفرصةَ قائمة لتطوير علاقة قوية، من دون نفي ومن دون تحالف الحرب الباردة. السعودية أعادت تفسيرَ مكانتها وترتيب أوضاعها، تريد أن تصنعَ لنفسها موقعاً جديداً، وهي، بالفعل، ماضية في ذلك؛ أن تكون دولةً اقتصادية كبرى وفاعلة إقليمياً ودولياً. وسيكون للرياض، التي يكبر دورها، أن تعودَ شريكاً سياسياً واقتصادياً مهماً.
ولو لاحظنا مسارَ العلاقة، نجد أنَّها انتقلت، في عهود ثلاثة رؤساء أميركيين، من الاضطراب إلى شيء من الاستتباب؛ من اللامبالاة والاستخفاف في عهد أوباما، ومن أنَّ السعودية، والمنطقة برمتها، لم تعد استراتيجياً مهمة لبلاده، إلى ترمب الذي، بشجاعة، أعاد التعاملَ بقوة مع الرياض، لكنَّها كانت تعاملات من دون استراتيجية الدولة، واليوم بايدن إلى حد كبير سار على خطى ترمب، ويقوم بتأطير العلاقة على أسس أطولَ أمداً.
كانت السعوديةُ لواشنطن نفطَها. اليوم تصنع السعوديةُ لنفسها دورَ الدولة المهمة اقتصادياً في العالم، وتحافظ على مكاسبها الأخرى؛ دورها الإسلامي الذي ليس له منازع، ودورها الجيوسياسي الحيوي، واستقرارها في منطقة مضطربة، وسيستمر البترول عاملاً مهماً في السياسة والاقتصاد العالمي إلى آخر برميل بعد ربع قرن من الآن، أو حتى ما وراء ذلك.
أصبح واضحاً للجانبين التحديات. لا تستطيع الولايات المتحدة يومياً شراءَ المليوني برميل بترول التي تباع للصين. ولا تستطيع الرياضُ تجاهلَ الدولةِ العظمى المهيمنة بالقوة العسكرية والدولار والصناعات التقنية. والأميركيون يدركون خططَ التطورات الجديدة في السعودية، ويعون كيف ستكون عليه في عشر سنوات مقبلة. هل هذه إعادة تفعيل العلاقة، في ظل التنافس الدولي الذي نحن في بدايته؟ يبدو ذلك.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib