هل يفسد أتباع إيرانَ الحج

هل يفسد أتباع إيرانَ الحج؟

المغرب اليوم -

هل يفسد أتباع إيرانَ الحج

عبد الرحمن الراشد
بقلم - عبد الرحمن الراشد

قبلَ عامٍ، حذَّرَ السَّيد مقتدى الصدر في بيانٍ له، زوارَ العتباتِ المقدَّسة في العراق من عدمِ رفعِ شعاراتٍ سياسيةٍ معادية، أو استهدافِ السعوديينَ أو الإيرانيين، وقالَ الصدرُ إنَّها تهدفُ إلى بثِّ التفرقةِ ونشرِ الفتنةِ بادّعاء شعارِ الوطنيةِ الكاذب.

هذا ما تهدّدُ به اليومَ الجماعاتُ المواليةُ لإيرانَ من حوثيين وميليشياتٍ عراقيةٍ لإفساد مناسك الحج، وتحويلِ الموسم الديني إلى مناسبةٍ سياسية.

مثلُ هذه النشاطاتِ ليست عفويةً، حيث يتمُّ ترتيبُها مسبقاً سياسياً وأمنياً، ولا يستبعدُ أنَّ قوى في إيرانَ خلفَها، رغم الوعودِ التي قطعتْها الحكومةُ الإيرانيةُ بعدمِ إثارةِ المشاكلِ في موسمِ الحجِّ وفي المملكةِ بشكلٍ عام، والإيعازِ لوكلائها للقيام بذلك. وقد استبقوا ذلك بحملةِ تحريضٍ شاركَ فيها موالون لطهرانَ بمن فيهم شيوعيونَ عربٌ يحرّضون على تخريبِ موسمِ الحجِّ وتحدي السعودية.

اليوم، والأيامُ المتبقية، هي ذروةُ موسمِ الحج، ستبيّن مدى احترامِ الدُّولِ لالتزاماتِها بعدمِ استغلالِ شعيرةِ الحجّ وتحويلِها إلى مناسبةٍ سياسية.

ولو كانَ الحجُّ مسرحاً للسياسة لكانَ أولى بالسعودية، المقرِ والراعي، استخدامه ضد خصومِها في السابق، ضد الإيرانيينَ والحوثيين والقوى التي اختلفتْ معها في العقود الماضية. لنحوِ مائةِ عام حَيَّدت السعوديةُ موسمَ الحجّ والأماكنَ المقدسةَ بشكل عام، لم تنادِ للحربِ أو التظاهر أو إعلانِ مواقفِها السياسية فيها رغم خلافاتِها السياسيةِ السابقة مع دولٍ وأنظمة أخرى.

ولهذا أصبحتْ مكةُ المكرَّمةُ والمشاعرُ، المكانَ الإسلاميَّ المحايدَ في العالم.

تعلَّم العالمُ الإسلاميُّ من تاريخه هذا الأمر، عندما حاولتْ جماعاتٌ وقوى سياسيةٌ استخدامَ موسمِ الحج ومكةَ لأغراضها. لقد ولَّى الزمنُ الذي يُسمحَ فيه للفوضى بأن تسود، كما فعلَ القرامطةُ في موسمِ الحجّ وحوَّلوه إلى واحدةٍ من أبشعِ الكوارث. جاءوه حاجّين ودخلوا الحرمَ المكيَّ مُحرمين، ثم سلُّوا سيوفَهم وقاتلوا الحجاجَ الآخرين المخالفين لفكرهم، وعاثوا في المدينةِ المقدسةِ 18 يوماً. حوّلوا الحجَّ إلى ساحةِ تنازعٍ سياسي ونزاعٍ إقليمي دامَ عشرين عاماً.

لو أنَّ كلَّ من له رأيٌ يريد فرضَه واستعراضَه في مكةَ والحج تحديداً، لأصبحت المشاعرُ، ساحةَ صراعاتٍ لا تنتهي، بين المسلمين أنفسِهم من سنةٍ وشيعة، والجماعاتِ المتطرفة، من «قاعدة» و«داعش»، مثلما حاولَ جهيمان واستولَى على الحرمِ المكيّ ومنعَ الصلاةَ فيه أسبوعين وسفكَ الدماءَ داخلَ المسجدِ قبل أن يتمَّ اقتحامُه وإنهاءُ تلك الجريمة، التي ترافقتْ مع مرحلةِ توتراتِ اتفاقِ كامب ديفيد.

لو أرادتْ كلُّ جماعةٍ إسلاميةٍ فرضَ أجندتِها على الحجّ والحجاج، لرأينا مظاهراتٍ من آسيا الوسطى ضد روسيا، وحجاجاً ضد الصين، وآخرين يحرقون الأعلام الأميركية على جبلِ عرفة، وعشراتِ المظاهراتِ من المعارضين ضد الأنظمةِ الإسلامية نفسِها، وسنةً ضد شيعةِ وفلسطينيين ضد فلسطينيين.

هل يوافق السَّيد مقتدى أن يرفعَ زوارُ النجفِ وكربلاء شعاراتٍ سياسيةً مختلفةً عن شعاراتِه، وتحويل أربعينية الحسين مسرحاً للصراعات الإقليمية؟ فقد هاجمَ العامَ الماضي زوارُ عراقيون، حجاجاً إيرانيين لأسبابٍ فكريةِ وسياسية.

لقد غضبَ السيد مقتدى حينَها من محاولاتِ إفسادِ المناسبةِ الدينية، واتَّهم أنَّ وراءها إمَّا البعثيون أو «الثالوث المشؤوم» أي الإطار الشيعي التنسيقي.

علاوة على ذلك، فإنَّ فتح البابِ للنشاطاتِ السياسية في الحج سيؤدي إلى تأجيجِ العداواتِ والنفخ في الحروب، وما بين المسلمين من خلافاتٍ موروثة، أعظم خطراً من أحداث غزة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يفسد أتباع إيرانَ الحج هل يفسد أتباع إيرانَ الحج



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib