السفير بين الجريمة والدعاية للإرهاب

السفير بين الجريمة والدعاية للإرهاب

المغرب اليوم -

السفير بين الجريمة والدعاية للإرهاب

بقلم : عبد الرحمن الراشد

اغتيال السفير الروسي في تركيا حدث جلل وعمل إرهابي آخر٬َ يص ّب في صالح إيران والنظام السوري٬ ويضر بقضية الشعب السوري. الجريمة تؤكد٬ مرة أخرى٬ أن أمن العالم مهدد أكثر من ذي قبل.

وبكل أسف يستمر الخلط بين الإرهاب والقضايا الإقليمية مثل سوريا٬ فالذي اغتال السفير أندريه كارلوف في أنقرة برر جريمته بالانتقام لما يحدث في سوريا. عمليات التنظيمات الإرهابية لا علاقة لها بذلك٬ ففي الوقت نفسه قام إرهابي آخر بجريمة القتل ده ًسا في برلين٬ في ألمانيا التي دعمت الشعب السوري وثورته٬ وتحملت القسط الأكبر من رعاية اللاجئين. وفي الأسبوع نفسه تفاخر تنظيم داعش بأنه وراء قيام أحد منتسبيه بقتل عشرة في مدينة الكرك الأردنية.

من يستخدم جريمة قتل السفير الروسي الإرهابية٬ ويقوم بتبريرها٬ وربطها بمأساة حلب وسوريا٬ هو في الواقع يحاول استغلال المشاعر الشعبية الغاضبة من روسيا واستخدامها دع ًما لـ«داعش»٬ التنظيم المسؤول عن تأليب العالم على الشعب السوري وثورته.

بالفعل هناك غضب من روسيا٬ لكن يجب ألا نخلط بينه وبين أعمال الإرهاب. فقد كان الروس يستمتعون بوضع مريح في منطقة الشرق الأوسط٬ وتحديدا بين العرب٬ لأنهم كانوا يرفعون راية محاربة الاستعمار٬ ومساندة قوى التحرر٬ ودعموا حركة دول عدم الانحياز. وعرف الروس بمواقفهم مع العرب في قضاياهم الرئيسية٬ مثل القضية الفلسطينية٬ وابتعدوا عن التورط في المغامرات العسكرية الإقليمية. وحتى عندما احتلوا أفغانستان في السبعينات اعتبرها كثيرون هنا فصلا من صراع القطبين في منطقة بعيدة.

تغير هذا كله بعد تدخلهم بقوة ووحشية في سوريا٬ حيث نفد رصيد موسكو التاريخي والأخلاقي والإنساني الذي بنته على مر العقود٬ وانقلبت ردود الفعل ضدهم حانقة في سوريا وأحداث حلب تحديدا. وهنا تريد الجماعات المتطرفة٬ وليست فقط المسلحة٬ ركوب موجة الكراهية الطارئة في المنطقة ضد موسكو٬ مدركة أن حكومات المنطقة تريد التفاوض مع الروس٬ ومحاولة استمالتهم لصالح حل سياسي معقول ومقبول للأغلبية ينهي الحرب في سوريا. حكومات المنطقة لا تريد أن تخسر دولة كبرى مثل روسيا٬ ولا دفعها أكثر باتجاه إيران والنظام السوري٬ لأنه لا يوجد خلاف سياسي معها٬ وإذا كانت القيادة الروسية تريد لنفسها دورا في المنطقة فإن هذا الدور يمكن استيعابه وتقريب المسافات ليكون إيجابيا. لا توجد في منطقة الشرق الأوسط معسكرات معادية لموسكو٬ بما في ذلك بين الدول القريبة من واشنطن والغرب عموما٬ وترفض هذه الدول تقسيم دول المنطقة إلى فريقين مع وضد٬ كما كان يحدث في الحرب الباردة.

رغم أن الأمل ضعيف جدا في الوقت الحاضر٬ يستطيع الروس أن يلعبوا دورا إيجابيا حاسما في سوريا٬ من أجل تحقيق مصالحة تقصي المتطرفين في الثورة السورية وكذلك تقصي التط ّرف في النظام السوري المسؤول عن المذابح في سنين الحرب.

«داعش»٬ وبقية التنظيمات الإرهابية٬ تريد تخريب هذه الجهود وتعرف أنها باستهدافها مسؤولين روسيين تلعب على وتر شعبي غاضب٬ وتحرج الحكومات الإقليمية التي تبدو عاجزة عن مّد العون والحماية لملايين السوريين.

روسيا تدرك أن لها سمعة سيئة جدا لم يمر عليها مثلها٬ ولم تفلح الدعاية في قناة «روسيا اليوم» وغيرها من منصات الدعاية الإعلامية الرسمية في تبرير موقفها وأعمالها ومسؤوليتها عن دعم نظام الأسد والإيرانيين في سوريا. وربما لا يهم روسيا كثيرا رأي أغلبية ملايين العرب والمسلمين٬ لأنهم لا ينتخبون ولا يؤثرون على سياسات حكوماتهم٬ لكننا نعرف أن الإرهاب يستفيد كثيرا من هذه الحالة الصعبة٬ أي غضب الناس وعجز الحكومات.

ومعظم الذين هللوا لجريمة قتل السفير الروسي هم في الواقع منتمون عاطفيا لتنظيم «داعش» وغيره٬ ولا يقلون خطورة عن الإرهابيين٬ ومن المؤكد أنهم بتعبيرهم عن سعادتهم وتبريرهم للجريمة يدفعون البسطاء من الغاضبين لدعم الجماعات الإرهابية ويمنحون الإرهاب الأكسجين الذي يحتاجه من الدعاية والتعاطف. «داعش» و«جبهة النصرة» جماعتان لا تقلان شرا وخطرا عن النظام السوري والميليشيات الإيرانية التي تقاتل في سوريا٬ وتمجيد الجريمة في أنقرة يفترض أن يصنف جريمة مباشرة٬ لأنه يساعد الإرهابيين على التجنيد والتبرعات ويمنحهم الشرعية٬ وكذلك يرمم الشعبية التي أوشكوا أن يفقدوها في الفترة الماضية نتيجة الدعاية المضادة لهم.

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السفير بين الجريمة والدعاية للإرهاب السفير بين الجريمة والدعاية للإرهاب



GMT 06:06 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل لا تنوي التوقف

GMT 18:44 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

تخريب مشروع إنقاذ لبنان

GMT 07:06 2024 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الصراع الإيراني الإسرائيلي المباشر

GMT 16:02 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

إيران ماذا ستفعل بـ«حزب الله»؟

GMT 20:21 2024 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الحرب التالية... إسرائيل وإيران

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:47 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تيك توك يتخلص من أكثر من 200 مليون فيديو مخالف خلال 3 أشهر

GMT 02:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

احتياطيات ورأسمال بنوك الإمارات تتجاوز 136 مليار دولار

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ميناء طنجة المتوسط يحصل عل قرض من مؤسسة التمويل الدولية “IFC”

GMT 22:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة

GMT 21:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib