مبادرة اليمن تحت الاختبار

مبادرة اليمن تحت الاختبار

المغرب اليوم -

مبادرة اليمن تحت الاختبار

بقلم : عبد الرحمن الراشد

كما توقعت٬ فقد حظيت المبادرة التي طرحها المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ لحل النزاع اليمني٬ بتأييد الأطراف المختلفة٬ وقد جربت أول امتحان لها٬ بوقف إطلاق النار في هدنة الثماني والأربعين ساعة.

ورغم الانتقادات التي وجهتها أطراف أساسية في الحكومة الشرعية وآخرون٬ لا زلت أعتقد أنها مبادرة جيدة٬ وأشك أن تنجح٬ ليس لأن رجال الرئيس هادي انتقدوها بل العكس٬ لأن الانقلابيين سيفشلونها. المبادرة تؤكد على شرعية النظام وسلطاته٬ وأن يسلم الانقلابيون أسلحتهم الثقيلة٬ وأن يخرجوا من العاصمة والمدن الرئيسية وتسلم للحكومة الشرعية. في المقابل٬ يتم تعيين نائب رئيس للدولة معتدل٬ يتفق عليه٬ تنقل إليه معظم الصلاحيات من الرئيس.

في المبادرة٬ الانقلابيون تراجعوا عن معظم مطالبهم الرئيسية. كانوا يريدون نظام حكم جديدا لهم فيه اليد العليا٬ وإقصاء الرئيس عبد ربه منصور هادي٬ والإبقاء على أسلحتهم٬ واعتبار ميليشياتهم جزءا من الدولة٬ والاحتفاظ بوجودهم في المناطق التي استولوا عليها. كل مطالبهم تلك سقطت. الذي كسبوه منها أن المبادرة لا تلغي وجودهم٬ ولا تسحب أسلحتهم الخفيفة٬ على اعتبار أن معظم اليمنيين مسلحون أصلا قبل الحرب٬ وموعودون بالمشاركة في الحكومة٬ وهذا كان ممنوحا لهم قبل الانقلاب.

أما لماذا عارض فريق الرئيس هادي خطة السلام٬ فيبدو لي لسببين: لأن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أخطأ بالفعل عندما لم يتواصل معه مباشرة٬ بدلا من الاعتماد على إرسال الرسائل مع آخرين٬ وقد اعتذر كيري عن ذلك. والسبب الآخر٬ أتوقع أن هادي اعتبر منح معظم صلاحياته لنائب الرئيس تجاو ًزا عليه. والحقيقة٬ الرئيس يعرف٬ قبل غيره٬ أن القوى اليمنية والحلفاء تمسكوا به في ظروف صعبة للغاية٬ وخاضوا حربا من أجل الحفاظ على كيان الدولة٬ وصيغة الحكم التي تمت بالتوافق بين اليمنيين ورعاية الأمم المتحدة مباشرة. أما منصبه٬ كرئيس للدولة٬ فهو مؤقت٬ حدد بعامين٬ إلى حين إجراء الانتخابات التي أجهضها الانقلابيون. ولقد جاهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح والحوثي٬ منذ قيامهما بالانقلاب٬ يساومان على إبعاده٬ إلا أن الجميع تمسك به رمزا للشرعية. والمبادرة الجديدة تحافظ عليه رئيسا. أما الصلاحيات٬ فنحن نعرف أنها قليلة لأن القليل من الحكومة موجود أصلا٬ ولا تزال حكومة منفى٬ رغم عودتها صوريا إلى عدن٬ لأن البلاد في حالة حرب واسعة عطلت الأجهزة الحكومية وخدماتها.

الصلاحيات ستبقى قليلة حتى بعد وقف الحرب٬ هذا إن نجحت المبادرة وحقنت الدماء وعّم السلام٬ ولن توجد حكومة فاعلة إلا بعد كتابة الدستور٬ وإجراء انتخابات شاملة. وبالتالي٬ لن يفقد الرئيس هادي الكثير من صلاحياته حتى بعد نقل بعضها٬ لأنه ببقائه يفشل المتمردون في تحقيق شرطهم الأول٬ وهو إخراج الرئيس هادي.

تنتهي الحروب الأهلية غالبا بالمصالحة٬ أو يستمر المتقاتلون حتى يتعبوا ويمزقوا بلدهم. هذه أفغانستان التي تشبه كثيرا اليمن٬ في تضاريسها وخريطتها الاجتماعية٬ لا تزال حربها مستمرة منذ خمسة عشر عاما تقاتل فيها الولايات المتحدة الأميركية طالبان. الدولة العظمى لم تستطع حسم الحرب رغم إمكانياتها التي سخرتها لها٬ والتحالف العسكري الواسع الذي يشاركها القتال٬ ليس لأنه عسير على الأميركيين إفناء خصومهم٬ بل لأن المطلوب إخضاع كل القوى للسلطة المركزية٬ الأميركيون لم ينجحوا بعد رغم المفاوضات والقتال مع طالبان.

أما حرب اليمن٬ فقد مر عليها أقل من عامين قاسيين على الجميع. وقد تحقق فيها أولا إنقاذ اليمن من الانقلابيين الذين استولوا عليه بالكامل٬ ولولا التدخل العسكري لأصبدولة في الفلك الإيراني٬ وكان سيتحول إلى مرتع للنزاعات المزمنة٬ القبلية والمناطقية. وتم الإصرار على المحافظة على الشرعية٬ رغم أنه لم يبق لها وجود في اليمن٬ ولا حتى على متر مربع واحد٬ نقلت إلى السعودية٬ وتم تأمين التأييد الدبلوماسي العالمي لها٬ وشنت حرب كبيرة من أجلها حررت أكثر من نصف الأراضي اليمنية٬ ورممت السلطة الشرعية.

من الممكن أن يستمر الطرفان في الاقتتال خمسة عشر عاما أخرى٬ لكن لماذا؟ الانقلابيون الذين جربوا حظهم في الاستفراد بالحكم فشلوا٬ في حين كانوا قبل تمردهم طرفا في الحكم والحكومة. وقبولهم بالمبادرة يعني تسليم أسلحتهم الثقيلة٬ وإخلاءهم المدن٬ والانخراط في الحكومة تحت هادي٬ يعني أنهم خسروا رهان السلاح.

والذين يعترضون على إشراك الحوثيين ومنتسبي صالح٬ ويعتبرونه خذلانا لكل ما تمت التضحية به٬ مخطئون. لا يوجد أبدا أي تعهد بحرمان الخصوم من المشاركة السياسية٬ ولم يكن ذلك هدفا للحرب. الهدف عودة الحكومة الشرعية٬ وكانوا جزءا منها٬ وقد دفعوا ثمنا باهظا بسبب انقلابهم عليها٬ وكذلك الشعب اليمني. هدف الحرب هو التوصل للسلام وليس القضاء على الآخر٬ وعسى أن تنجح المبادرة فتحقن الدماء ويعود الاستقرار إلى اليمن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مبادرة اليمن تحت الاختبار مبادرة اليمن تحت الاختبار



GMT 06:06 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل لا تنوي التوقف

GMT 18:44 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

تخريب مشروع إنقاذ لبنان

GMT 07:06 2024 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الصراع الإيراني الإسرائيلي المباشر

GMT 16:02 2024 السبت ,28 أيلول / سبتمبر

إيران ماذا ستفعل بـ«حزب الله»؟

GMT 20:21 2024 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الحرب التالية... إسرائيل وإيران

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib