«قتل» خاشقجي إعلامياً

«قتل» خاشقجي إعلامياً

المغرب اليوم -

«قتل» خاشقجي إعلامياً

بقلم: عبد الرحمن الراشد

بالإضافة إلى العسكرية، تموج المنطقة بالمزيد من المواجهات، امتداداً للصراع المستمر منذ نحو سبع سنوات في أعقاب ما يعرف بـ«الربيع العربي». فبراكين المنطقة لا تزال مضطربة ولم تنتهِ حممها. تبدو لنا مثل أزمات متفرقة عابرة، لكنها تتكرر في سياق مستمر، بين الحكومات، بعضها البعض، وبينها وبين التنظيمات الحركية، كل ذلك ضمن شد وجذب يهدف إلى تغيير الوضع القديم أو وقف التغيير الجديد على الأرض. والحقيقة، ليس مستغرباً استهداف حكومات في المنطقة تقود التغيير الذاتي، مثل المملكة العربية السعودية، لكن التغيير عملية صعبة؛ لأنها تحاول أن تقتلع أفكاراً متجذرة وثقافات شائعة وهياكل كبيرة. الزميل جمال خاشقجي قتل، حتى لو ظهر حياً بسبب استخدامه من رصاص المعركة الإعلامية، والذين يرفعون قميصه أقل الناس اهتماماً به؛ فالهدف في الرياض.
ومن كان يظن أن إلغاء أو تهميش تنظيم الجماعات الحركية سيتم بسلاسة يكتشف اليوم صعوبة ذلك؛ لأنها موجودة وشرسة، وتعيد انتشارها في المنطقة. فالملتزمون بحركة «الإخوان المسلمين» على سبيل المثال فرّ بعضهم إلى تركيا وقطر، وصاروا يستخدمون امتداداتهم في أوروبا والولايات المتحدة بعد أن عطلت جزئياً قدراتهم في مصر ودول الخليج، وضُيّق عليهم في تونس والمغرب، ولجأت البقية للعمل تحت الأرض. عدا عن «الإخوان» هناك بقايا المدارس الفكرية، والتنظيمات التي تعيد ترتيب أوضاعها وفقاً لما بعد تبدلات «الربيع العربي». هذه لا تنتهي، بل تختفي أو تتموضع.
جمال ضحية الحرب القائمة في المنطقة، معركته امتداد لسلسلة معارك إعلامية وسياسية، كلٌ يريد استغلالها في «قضيته». في أزمة اختفاء خاشقجي الهدف الأخير استخدامها لتصوير الحكومات، والسعودية هنا تحديداً، على أنها شريرة، كوريا شمالية جديدة أو روسيا، وغيرها مما تم تصنيفه سابقاً. والهجوم هنا على السعودية لأنها أكثر دولة سارت خطوات جريئة وبعيدة في الإصلاحات الداخلية، وتواجه قوى معارضة واسعة لها في المنطقة برمتها. لا يمكن النظر إلى هذه الأزمات المتكررة بأحجام مختلفة إلا على أنها معركة سياسية وإعلامية واسعة.
في مثل هذه التحديات، هل يمكن تقليم القوى الفكرية والتنظيمية في المنطقة إلى آخر الطريق الصعبة؟ لا بد أن ندرك أن عملية إزاحة البناء الفكري والتنظيمي المتشدد في المنطقة، الذي شيد على مدى أكثر من أربعة عقود ليست بالسهلة، وستكون أصعب مع تقادم الأيام.
استهداف السعودية متوقع لأنها الدولة القاطرة التي تقود عملية التغيير، التي ستمس مساحة جغرافية وبشرية شاسعة من إندونيسيا إلى كاليفورنيا، وتعيد صياغة مفاهيم سياسية ودينية معتدلة على حساب النظام القديم في المنطقة الإسلامية. ستزدحم الشاشات بأخبار أخرى، حيث تستخدم الحوادث والقضايا لتشويه وجه النظام العربي الجديد المضاد للقديم. المزيد من المواجهات النوعية المقبلة ستقوم على خلق صورة عامة عربية أو دولية ضد الفكرة نفسها، تقول إن مشروع التحديث مبالغ فيه، وهو ليس إلا عملاً شخصياً لحكم فردي، أو أن التحديث لا يكفي وأقل مما هو منتظر، مستشهدين بالعقبات المستمرة والموروثة، وكذلك الخلط بين ممارسات الأفراد والحكومات. لنعترف بالحقيقة، وهي أن الخروج من الوضع القديم لن يكون بلا ثمن.
واختفاء خاشقجي بذاته قضية تستحق التمعن، فهي من جانب إنساني وأخلاقي مرفوضة، وإن كان مقتولاً، بحسب الدعاية القطرية - التركية، فإنها تصبح جريمة دولية. حالياً يتم تحويلها إلى معركة ضد المشروع السعودي الجديد، الذي كسب في سنتين حماساً عالمياً كبيراً له؛ لأنه واضح في فكرته وجريء في خطواته، وبدأ العمل فيه، يهدم ويبني ويسير إلى الأمام. من المتوقع محاولة استخدام الأزمات للتشكيك في المشروع وتعطيله، وقلب الرأي العام الدولي، وبخاصة من أعلنوا أنهم يؤمنون به ويتحمسون له، كما نرى في الإعلام الغربي خلال التعاطي مع أزمة خاشقجي. التغيير معركة كبيرة نحن نرى على جبهتين، من تعهد بالتغيير ولن يسمح بالوقوف في طريقه، وهناك من أقسم على إفشال مساعي التغيير بالعمل على تحديه وتشويه صورته وبناء تجمع مضاد له.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«قتل» خاشقجي إعلامياً «قتل» خاشقجي إعلامياً



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib