أمريكا “ترضخ” مُكرَهةً للشّروط الإيرانيّة وتلجأ للأوروبيين لإنقاذ ماء وجهها

أمريكا “ترضخ” مُكرَهةً للشّروط الإيرانيّة وتلجأ للأوروبيين لإنقاذ ماء وجهها

المغرب اليوم -

أمريكا “ترضخ” مُكرَهةً للشّروط الإيرانيّة وتلجأ للأوروبيين لإنقاذ ماء وجهها

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

أدركت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أنّ إيران لن ترمش أوّلًا، وأنّها جادّةٌ في تهديدها بالانسِحاب كُلِّيًّا من الاتّفاق النووي والتخلّي عن جميع التِزاماتها تُجاهه، ولهذا أوحت لحُلفائها الأوروبيين بالدّعوة إلى عقد اجتِماعٍ “غير رسميّ” في بروكسل مع الجانِب الإيراني، واعتبار هذا الاجتِماع بمثابة السُّلَّم لإنزالها عن شجرة العُقوبات، وإنقاذ ماء وجهها.
أنتوني بلينكن، وزير الخارجيّة الجديد، أبلغ الدّول  الأوروبيّة الثّلاث المُوقّعة على الاتّفاق (بريطانيا فرنسا وألمانيا) بأنّ حُكومته مُستَعِدّةٌ للجُلوس مع إيران “بشأن عودة التِزام البلدين للاتّفاق النووي”، وذهبت إدارته إلى ما هو أبعد من ذلك عندما أبلغت مجلس الأمن الدولي بأنّها لن تُعارض “عدم تمديد” المُنظّمة الدوليّة لعُقوباتها على إيران، وخفّفت قُيود السّفر على الدّبلوماسيين الإيرانيين.

يُمكن القول، وباختصارٍ شديد، أنّ الإدارة الأمريكيّة الجديدة أعربت عن استِعدادها للرّضوخ الكامل للشّروط الإيرانيّة بِما في ذلك رفع العُقوبات، لأنّها توصلت إلى قناعةٍ راسخةٍ بأنّ التّلكّؤ لا يعني تنفيذ إيران لتهديداتها برفع نسب تخصيب اليورانيوم والمُضِي قُدُمًا في سياستها النوويّة الجديدة، أيّ السّير على نهج حُكومة كوريا الشماليّة وإنتاج رؤوس نوويّة.
***
المعلومات المُتوفّرة لدينا تُؤكِّد أنّ إيران كانت بصدد وقف التّعامل بالكامل مع المُفتّشين الدّوليين فور انتِهاء “المُهلة الإنذار” ليلة بعد غد الأحد، وفجر الاثنين، إذا لم تُوافِق الولايات المتحدة على شُروطها بوقف “إرهابها الاقتصادي”، أيّ العُقوبات الاقتصاديّة فورًا ودُونَ أيّ مُماطلة.
المُكالمة الهاتفيّة التي أجراها الرئيس بايدن مع بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبعد شهرٍ من تولّيه منصبه، ومُهاتفة إكثر من 15 زعيمًا دوليًّا، لم تَأتِ لإثبات عُلاقات الصّداقة القويّة بين البلدين، وإنّما لإبلاغ الأخير، أيّ نِتنياهو، بالقرار الأمريكي بالعودة إلى الاتّفاق النووي، وتجديد التّواصل مع الحُكومة الإيرانيّة، وكُل التّصريحات التي صدرت عن نِتنياهو، أو مكتبه، ووصفت المُكالمة التي استمرّت ساعة، بأنّها كانت “وديّة” كذبة جديدة تُضاف إلى جبلٍ هائلٍ من أكاذيبِ نِتنياهو.
وإذا كان الإيرانيّون، مُحافظين كانوا أم مُعتدلين، مُوحّدين حول مسألة الرّفع الفوري للعُقوبات فإنّ هُناك انقسام في الإدارة الأمريكيّة حول كيفيّة إدارة الأزمة النوويّة هذه، فبينما يُطالب الجناح الذي يقوده بلينكن وزير الخارجيّة بالعودة إلى الاتّفاق القديم بصُورةٍ أو بأُخرى، يرى الجناح الآخَر المُتشدّد بضرورة التّوصّل إلى اتّفاقٍ جديد موسع يشمل برامج إيران الصّاروخيّة، وإعادة صياغة دورها الإقليمي، أيّ التّخلّي عن أذرعها العسكريّة في لبنان والعِراق واليمن وغزّة.
إيران لن تقبل إلا “برَفعٍ كاملٍ” للعُقوبات الأمريكيّة مُقابل وقف تخصيب اليورانيوم، والسّماح للمُفتّشين الدوليين بمُواصلة مهامهم، كما أنّها لن تتخلّى عن برامجها الصاروخيّة المُتطوّرة، وإن كانت ربّما مُستعدّةً للتّفاوض حول مدى هذه الصّواريخ، أيّ عدم إنتاج صواريخ عابرة للقارات يُمكِن أن تَصِل إلى العُمق الأمريكيّ على غِرار صواريخ كوريا الشماليّة (6000 كم).
أمريكا لا تفهم إلا لغة القوّة، ويبدو أنّ الجناح الإيراني “المُحافظ” الذي يتزعّمه المُرشد الاعلى السيّد علي خامنئي، طفَح كيله، واتّخذ قرارًا حازمًا بالعودة إلى النّهج الإيراني الذي كان مُتّبعًا قبل توقيع الاتّفاق عام 2015 الذي لا يَثِق بالوعود والاتّفاقات الأمريكيّة، ولهذا أزاح بالجناح المُعتدل إلى المقاعد الخلفيّة وجلس أمام عجلة القِيادة وبات صاحب القرار الأوحَد في المِلف النووي، ومُعظم المِلفّات الأُخرى.
ترامب قدّم خدمةً تاريخيّةً لهذا الجناح المُتشدّد، عندما قدّم له المُكافأة الأضخم التي كان ينتظرها بانسِحابه من الاتّفاق النووي، بضَغطٍ من نِتنياهو وعبر “الولد” الطّائش جاريد كوشنر، وأضعف بالتّالي الجناح الإيراني المُعتدل الذي بذل جُهودًا ضخمةً لإنجاز هذا الاتّفاق، وبات من المُرجّح أنّه يخسر الانتِخابات الرئاسيّة في حزيران (يونيو) المُقبل لصالح مُرشّح مُحافظ بدَعمٍ من السيّد خامنئي.
***
الإرهاب الاقتصادي الأمريكي لإيران يَلفُظ أنفاسه الأخيرة، سواءً عادت إيران للاتّفاق النووي أو لم تَعُد، لأنّه فَشِلَ فشلًا ذريعًا في تركيعها، وتغيير النّظام بالتّالي، وجعلها تعتمد على نفسها، وتُحَقِّق الاكتِفاء الذّاتي في مُعظم المجالات، والصّناعات العسكريّة المُتطوّرة خاصّةً، وتقليص اعتِمادها على العوائد النفطيّة إلى أقل من 20 بالمِئة من إنتاجها القومي.
إيران انتصرت بصُمودها، اختلفنا معها أو اتّفقنا، لأنّها اعتمدت على نفسها، وقُواها الذاتيّة، ووجدت مُعظم شعبها يَقِف خلفها، ويُقَدِّم التّضحيات، ولا عزاء لخُصومها، والعرب منهم خاصّةً، الذين نقلوا بُندقيّتهم من الكتف الأمريكي إلى الكتف الإسرائيلي، ووجدوا أنفسهم عبيدًا عُراةً مُجرّدين من أيّ حماية، بعد أن بدّدوا سِلاحهم المالي في التّرف وتمويل حُروب الدّمار لدول عربيّة، وإنقاذ الاقتِصاد الأمريكي بشقّيه العسكريّ والمدنيّ، وباتوا يترحّمون على “العُروبة” ولكن بعد خراب مالطا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمريكا “ترضخ” مُكرَهةً للشّروط الإيرانيّة وتلجأ للأوروبيين لإنقاذ ماء وجهها أمريكا “ترضخ” مُكرَهةً للشّروط الإيرانيّة وتلجأ للأوروبيين لإنقاذ ماء وجهها



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib