مالي ثانية في ليبيا

مالي ثانية في ليبيا؟

المغرب اليوم -

مالي ثانية في ليبيا

محمد الأشهب

عندما تدخلت فرنسا عسكرياً في مالي، عبر عملية «سرفال» التي هدفت الى تطهير شمال البلاد من سيطرة تنظيمات مسلحة فرضت قوانين وأنماط عيش بالقتل والترهيب، لم يثر الأمر أي ردود فعل معارضة من بلدان الجوار، عدا بعض التحفظات التي تراجعت بسرعة. السبب في ذلك أن المخاوف من انتقال العدوى التي استقرت في (أفغانستان أفريقية جديدة) حتم التزام مواقف مؤيدة. انضاف إليها أن مجلس الأمن الدولي هيأ الأجواء الملائمة لتقبل أي تدخل عسكري.
لا يختلف الوضع كثيراً في الحالة الليبية، فالتنظيمات التي سيطرت على شمال مالي، وعبثت بالأضرحة وأماكن العبادة والمآثر التاريخية الإنسانية، وأقامت كياناً منفصلاً تحت راية الخلافة الإسلامية، تجد امتدادها في «داعش» وأخواتها المتناسلة في سرت وجنوب البلاد وغربها. بل إنها أشد خطورة على صعيد تمدد التنظيمات الإرهابية التي يردد العالم بصوت واحد أنه يجب القضاء عليها.
في مالي انبنت شرعية سياسية، توجت بإجراء انتخابات رئاسية وبدء حوار المصالحة، بعد التخلص من هيمنة التنظيمات الإرهابية، وإن كان واقع الحال يفيد بأنها ما زالت تطل برؤوسها المتعددة بين الفينة والأخرى. وأسعف الشرعية السياسية أنها استثنت الحركات غير المعتدلة التي استمرت في حمل السلاح. وحظي مسار المصالحة والتطهير بدعم فرنسي وأوروبي وأميركي وأفريقي ومغاربي.
في الحالة الليبية، استأثرت الأمم المتحدة عبر مبعوثيها السابق والحالي بدور وفاقي، في غياب سلطة شرعية قائمة الذات لا ينازع أحد في صلاحياتها، وتركت للفرقاء المتناحرين أن يخطوا في اتجاه نوع من الوئام. بينما تواصل شد الحبل بين دعاة التدخل العسكري الأجنبي لضرب «داعش»، وبين التحذير من أخطار عملية كهذه على النسيج الليبي المتفسخ أصلاً وعلى بلدان الجوار. ولا يعني ارتفاع مزيد من الأصوات التي تخشى من تداعيات الحرب العسكرية على التنظيمات الإرهابية في ليبيا بطريقة مباشرة، سوى عدم الاطمئنان إلى النتائج.
في مالي أدى انقلاب عسكري إلى انفلات اختلطت فيه الأوراق والحسابات. وكانت التنظيمات الخارجة عن القانون تتربص الفرصة للانقضاض على شمال البلاد، وسط فوضى عارمة. أما في ليبيا فقد تبددت الآمال التي كان يعول عليها لناحية جذب البلاد إلى دائرة الدول العادية، بعد إطاحة نظام العقيد معمر القذافي.
ما يبرر مخاوف دول الجوار أن أكثر المبادرات الإنسانية رحمة بضحايا الحروب، لا تأتي إلا بعد أن تكون الدول أفرغت من سكانها الذين يتحولون إلى لاجئين ونازحين. وأن مخططات الإعمار التي يجري التبشير بها لا تغادر رقعة الوعود والنيات ومشاعر التعاطف. إضافة إلى عدم قدرة بلدان الجوار على استيعاب الضغوط الناشئة، عندما تختلط الأهداف العسكرية بأرواح المدنيين الأبرياء. بيد أن الأخطر في المعادلة أن إرجاء أو استبعاد الضربات العسكرية يمدد في أعمار التنظيمات الإرهابية. وليس مثل المناخ الدولي والإقليمي السائد حالياً ما يشجع على تجريب علاج الصدمات الكهربائية، إذ تصبح صدمات صواريخ وطائرات وهجمات برية.
الذين أقروا منهجية الفوضى الخلاقة في التعاطي وأزمات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كانوا مدركين أن الأوضاع ستؤول إلى مستوى طلب النجدة من أي قوة ضاربة، على نقيض المنطق الذي كان يتهم الأساطيل الأجنبية بالهيمنة على مراكز النفوذ الاقتصادي.
وحدهم الليبيون في وسعهم أن يخلصوا بلادهم من أخطار أي ضربات محتملة. غير أن الخلاص من وطأة وغلو وظلم التنظيمات الإرهابية لا يسمح بحرية الاختيار. ولن تكون تجربة التدخل العسكري في مالي استثناء وحيداً، حين تنغلق الأبواب والنوافذ، ولا يصبح في الإمكان استنشاق هواء غير ممزوج برائحة البارود.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مالي ثانية في ليبيا مالي ثانية في ليبيا



GMT 23:36 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

قوّة إسرائيل المقلقة بين تعطيلها وتفعيلها

GMT 15:53 2024 الإثنين ,04 آذار/ مارس

كان من أعظم شعراء الإسبانية

GMT 11:45 2024 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

السياسي.. لا الأديب

GMT 22:44 2024 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الإنترنت منصة الاحتيال والمحتالين

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib