عودة الوعي

عودة الوعي

المغرب اليوم -

عودة الوعي

محمد الأشهب

تفوق الجناح الأمني في تركيبة الحكومة الفرنسية على ميول سياسية، كانت أثرت سلباً في مسار العلاقات المغربية – الفرنسية، وحقق اختراقاً كبيراً قفز على كل المطبات. ساعده في ذلك أن الأعمال الإرهابية التي كانت باريس مسرحاً لها، لم تترك أي خيار آخر أمام الحكومة الفرنسية، غير الانفتاح على شريكها المحوري في الحرب على الإرهاب الذي لم يكن سوى المغرب.

تراجع الذهول الفرنسي أمام الصدمة، وتبددت مناطق ظل عدة. فيما تأكد دخول عنصر جديد على خط الأزمات التي تعتري علاقات الدول. كان الرهان على صلابة التعاون الاقتصادي والتجاري يكيف المصالح، وفق رؤية، تدفع إلى احتساب ركام الخسائر والأرباح. ثم ثبت أنه يتأثر بالأزمات السياسية ولا يؤثر فيها بالقدر الكافي. إلى أن جاءت المعضلات الإرهابية عابرة القارات لتفرض سطوة من نوع جديد، غير قابل للالتفاف والإلغاء. جملة من بضع كلمات اختزلت مسافات التباعد والشقاق بين باريس والرباط، صدرت في أعقاب محادثات الملك محمد السادس والرئيس فرانسوا هولاند تفيد بمعاودة التنسيق الأمني في الحرب على الإرهاب، وكانت كافية لجعل وزير داخلية فرنسا برنار كازانوف يطير إلى الرباط. ويوجه من هناك رسالة مفادها أن باريس ستوشح المسؤول الأول عن الاستخبارات الداخلية عبد اللطيف الحموشي بوسام رفيع.

ماذا حدث؟ وكيف أصبح الرجل الذي جاءت قوات أمن فرنسية لطلب التحقيق معه في مزاعم حول ممارسة التعذيب، عندما كان غادر مقر إقامة السفارة المغربية في باريس، شريكاً وازناً أشاد وزير الداخلية الفرنسية بتجربته وأجهزة الأمن المغربية في الارتقاء بمجالات التعاون في الحرب على الإرهاب. لقد اضطر الفرنسيون إلى التحديق ملياً في المرآة، ليجدوا أن سجلاً وافراً بأشكال التعاون الاستباقي جنب بلادهم مخاطر تنفيذ هجمات كانت ستطاول منشآت حيوية ذات قيمة عالية.

بيد أن دخول أطراف في المعارضة الفرنسية على خط الأزمة المغربية – الفرنسية، لم يكن بلا تداعيات إيجابية، وحين قال وزير الداخلية السابق شارل باسكوا إنه لا يفهم أسباب التباعد بين البلدين الصديقين، كان يضع أصبعه على الجرح، في ظل الإحالة على نتائج مذهلة، أنجزت بتنسيق كامل بين السلطات الأمنية والقضائية في البلدين. ثم التقط رئيس الوزراء الفرنسي الإشارة بذكاء ليتحدث عن القيمة المضافة للصداقة العريقة بين البلدين.

في غضون عام الأزمة، لم يصل البلدان إلى القطيعة، وظلا يتبادلان أشكال العتب، وإن بدرجة قاسية وفجة، حافظت على حصون الخطوط الحمر. من مستوى روابط الشراكة الاستراتيجية في نطاق الوضع التفضيلي لعلاقات المغرب والاتحاد الأوروبي، والتعاطي والنزاع الإقليمي حول الصحراء والالتزامات المشتركة إزاء أزمات مغاربية وأفريقية. ما أسهم بحظ وافر في عدم الانسياق وراء موجة الخصومة السياسية التي تأكد أنها كانت عابرة. فثمة مرجعية عقلانية تحد من تدهور المواقف، على نقيض ما تنطبع به العلاقات العربية – العربية التي يشكل الوضع المقلق بين المغرب والجزائر نموذجاً لها.‬

خصائص كهذه تدفع إلى التأمل في توصيفات الأزمات وحلولها. وفيما انبرت باريس في اتجاه الخطوة الأولى، على درجة الحجم الكبير لانشغالاتها بالمسألة الأمنية والتهديدات الإرهابية المتدثرة بلبوس ديني، وتأويلات «جهادية» بعيدة عن مقاصد الإسلام وشرعه وقيمه، لم يحدث على صعيد العلاقات المغربية – الجزائرية ما يقابل هذا التوجه. ولا يزال طابع الاحتشام يهيمن على إمكانات التعاون، على خلفية تفكيك خلايا من قبيل «جند الخلافة» وأخرى لها ارتباط بتنظيمات مسلحة تنشط في الجزائر والساحل وليبيا وتونس.

كان طبيعياً أن الأطراف الدولية التي تمنت على الجارين المغربي والجزائري نسيان خلافاتهما، والانصراف إلى مجالات التنسيق وتبادل المعلومات والخبرات في التصدي للإرهاب، ألا تتأخر عندما يتعلق الأمر بقضايا تخصها بالدرجة الأولى. فالفرنسيون يحاورون شركاءهم، على رغم أنواع الخلافات السياسية، والأميركيون يرون في الحرب على الإرهاب مدخلاً يجيز اقتحام كل المحاذير. والدول الغربية لا تقيم وزناً للاختلاف كلما تعرضت مصالحها الأمنية إلى مخاطر.

بيد أن الاعتذار الفرنسي، يشكل نقطة ضوء مشعة في الأخذ بمنهجية تحكيم العقل والواقعية والدفاع عن المصالح. وسواء كان المغاربة طلبوا إلى نظرائهم الفرنسيين اعتذاراً لبقاً، أم جاء ذلك ضمن مفهوم «عودة الوعي»، فإن المبادرة الفرنسية أظهرت درجة عالية من النضج والتقدير. ليس فقط لأنها أنهت مسلسل أزمة عابرة، من خلال مواجهة أصل المشكل، لكن لأنها فتحت أفقاً جديداً يتدارك أخطاء الماضي القريب. فالخطأ والصواب في العلاقات بين الدول يقاس بالإرادة والرغبة المشتركة والمنافع المتبادلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة الوعي عودة الوعي



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

GMT 17:42 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أمر شائن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 21:24 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 09:02 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 18:10 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بداية جديدة في حياتك المهنية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib