تهدئة على الطاولة وحرب في الميدان

تهدئة على الطاولة وحرب في الميدان

المغرب اليوم -

تهدئة على الطاولة وحرب في الميدان

محمد الأشهب


لن تكون جولة الخميس المقبل في الحوار الليبي مثل سابقتها، في ضوء استرداد النفس وإجراء مزيد من المشاورات التي تكفل الإجابة على الأسئلة العالقة، وفي مقدمها الربط بين إحراز التقدم على مسار المفاوضات وترجمة ذلك على الأرض.
من غير المقبول أن تناقض مستويات الصراع الدائر في ساحة الميدان مرادفاتها السياسية في حوار العقل الذي يبدأ بإسكات المدافع، إلا أن يكون المتحاورون أقل سيطرة على ما يحدث على أرض الواقع. وفي هذه الحال، تطرح شرعية التمثيل نفسها بإلحاح. ليس لأن الطرفين الأكثر نفوذاً يستندان إلى ما يعتبره كل جانب شرعية ديموقراطية مكتسبة فحسب، ولكن نتيجة غياب السيطرة الميدانية التي تدفع في اتجاه الإخلال بالتوازن الافتراضي.
سواء أكانت المعارك تتلقى الضوء الأخضر من هذا الطرف أو ذاك، أو تنتزعه بالقوة، من دون الحاجة إلى تحويلها إلى أوراق ضغط، أو تروم خلق واقع آخر مغاير لموازين القوى التي استقرت عند خيار الحوار وتلمس معالم طريق مصالحة تاريخية، فإن الحوار السياسي لا ينفصل عن امتداداته العسكرية والأمنية.
وما لم يتم الاتفاق بداية على وقف النار دفعة واحدة بلا تردد، سيكون من المستبعد جداً إحراز التقدم المطلوب. وإن كان مفهوماً أن سباق كسب المواقع يعزز مواقف المتفاوضين قبل الشروع في تقديم تنازلات متبادلة، فإن هذه المعادلة الخارجة عن زمام السيطرة قد تدفع الحوار إلى الباب المسدود.
تختلف الأزمة الليبية الراهنة عن مثيلاتها في صراع السلطة الذي قد يدور بين نظم شرعية ومعارضات عسكرية وسياسية، كونها تقتسم السيطرة على الأرض والاستحواذ على منابع الثروة وفرض قوانين ونواميس خارج منظور الدولة والقانون. وأسهم دخول تنظيمات متطرفة تشكل روافد ما يعرف بـ «الدولة الإسلامية» وفروع الجماعات المتناحرة في تعقيد الموقف أكثر، فيما أن افتقاد البوصلة التي ضاعت في زحمة التدافع السياسي والعسكري، ألقى بظلاله على مسار المرحلة الانتقالية التي عادت إلى نقطة الصفر.
منذ البداية كان واضحاً أن الشقوق والشروخ التي ضربت سفينة الإبحار من محطة الثورة إلى مرافئ الدولة لن تساعد في إكمال الرحلة من دون متاعب جمة. فقد اعترت العملية صعوبات تمثلت في استحالة تجميع السلاح. وبالتالي ظهور زعامات ومراكز نفوذ ما فتئت تتسع. وبديهي أن أي انتقال ديموقراطي لا يمكنه أن يفرض نفسه مع استمرار وجود مراكز كهذه.
بل إن الحوار الذي يراهن عليه الليبيون إنما يشابه طبعات منقحة لنكسات المرحلة الانتقالية، وطالما أن أسباب الإخفاق التي أدت إلى تصعيد الصراع ما زالت قائمة، يصعب توقع اختراق كبير، خارج الربط بين ما يحدث على الأرض وما يدور في القاعات المكيفة الهواء التي تُشتم منها رائحة البارود أكثر من فن الحكمة.
نقطة الضوء الوحيدة أن الفرقاء باتوا مقتنعين بأن الحل لن يكون إلا سياسياً. لكن السياسة لا تنفصل عن موازين القوى على الأرض. وما لم يترافق المسعى السياسي والأمني والعسكري في إطار منظور متكامل وشامل، سيظل الحوار مجرد تمارين في العلاقات العامة. الكل لا يراوده الشك في أن الأزمة الليبية أكثر خطورة على ليبيا وجوارها الإقليمي في امتدادات أفريقية وأوروبية وعربية. فهل الفرقاء المعنيون بالدرجة الأولى بمسار المفاوضات وأشكال الصراع يلتقون عند هذه القناعة، وأي ثمن يمكنه أن يرسخ هذا الاعتقاد.
أقرب إلى صحوة القبائل، يمكن الاستئناس بالدور المحوري للزعامات القبلية، كونها أكثر ارتباطاً بالأرض والتقاليد وقيم التعايش، لذلك فإن توزع أشكال الحوار بمستوياته المتعددة قد يدفع في اتجاه مغاير لما تحاول أن تمليه فرقعات السلاح. ولأن الأمم المتحدة ترعى هذه التوجهات، فلا أقل من اعتبار مجالات الحوار كافة اختياراً ليبياً محضاً، بعيداً من تدخلات الأطراف الإقليمية.
ليس هذا فحسب، فأخطر التدخلات أن ينوب السلاح عن حوار العقل، أو يستسلم العقل لنشوة «انتصارات» لا تزيد عن هدم مقومات الإعمار والإنسان، وإلى أن يصبح ما بعد الخميس المقبل الموافق للتاسع عشر من آذار (مارس) عنواناً جديداً ليوم الأمل ومعاودة بناء الثقة، يحتاج الليبيون إلى ما هو أكبر من نفاذ الصبر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تهدئة على الطاولة وحرب في الميدان تهدئة على الطاولة وحرب في الميدان



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib