إسلاميو تونس والتجربة المصرية

إسلاميو تونس والتجربة المصرية

المغرب اليوم -

إسلاميو تونس والتجربة المصرية

محمد الأشهب

ما لم يقله المعارضون الذين يطالبون بحل الحكومة التونسية، وإحلال حكومة كفاءات تكنوقراطية مكانها، أن أداء حكومة «النهضة» هو المستهدف أولاً وأخيراً. وأن تصعيد حدة المواجهة يراد، من أجل إبعاد الإسلاميين عن الاستئثار بالحكم، وإن كانت صيغة الترويكا عكست تعايشاً مرحلياً، سرعان ما انتهى إلى التصدع. وما لم تقله حركة «النهضة» أن نصف هزيمة في مواجهة شارع ملتهب، أفضل من خسارة كل المواقع. والراجح أن نصف الهزيمة قد يتدحرج إلى نكسة أو يقظة، على قدر إدارة صراع السلطة الذي لا يزال في بدايته. غير أنه كما انتقلت العدوى في انتفاضة الياسمين التونسية إلى بلدان مجاورة، يمكن لعدوى الحالة المصرية أن تنتقل بسرعة أكبر. طالما أن غليان الشارع لم يخفت. عدا أن نتائج حراك الربيع، أقلها على صعيد إطاحة قلاع أنظمة عدة، أبانت أن كل شيء ممكن في زمن باتت فيه الصراعات والتفاهمات تتخذ من الشارع مركز استقطاب. الزلزال الذي وقع تحت أقدام حركة «النهضة» التونسية كان سابقاً لانفجار الغضب ضد «إخوان» مصر وحكم الرئيس المعزول محمد مرسي. ومنذ أثير الجدل حول وضع رئيس الحكومة السابق حامد الجبالي الذي يبدو أنه تنبه لرياح المواسم القادمة، بدا واضحاً أن تجارب حكم الإسلاميين ينقصها شيء أعمق من استبدال الأشخاص. فثمة أفكار وتصنيفات تكون مقبولة في فترات المعارضة، بهدف حشد الدعم والتأييد، ولا يستمر مفعولها، عندما تراد لتقسيم المجتمعات وفق قواعد الأسلمة والانحراف. بخاصة أن لتونس رصيداً هائلاً في الانفتاح يصعب اقتلاعه. فقد زرع الزعيم المؤسس الحبيب بورقيبة أفكاراً جعلت البلد الصغير كبيراً في استيعاب قيم الانفتاح، وإن لم تكتمل حلقاتها سياسياً واقتصادياً، على طريق بناء دولة عصرية. بيد أنه بدل أن يكون انتقال الإسلاميين إلى الحكم، كما حدث في مصر وتونس فرصة للتطبيع مع الاعتدال والوسطية والتسامح، برزت تيارات راديكالية على يمين الحركات الإسلامية، ما قلب المعادلة وزاد من حجم المخاوف من ألا تكون تجاربهم في الحكم سانحة للقضاء على التطرف والمغالاة. وبدل انقياد هذه الحركات إلى شواطئ الاعتدال التي تجذب تيارات أخرى، حدث العكس. ولعل هذا من بين الأسباب التي أدت إلى استشراء المخاوف التي زادتها التصنيفات الجاهزة تعقيداً. غير أن مناهضة تجارب حكم الإسلاميين لم ترتد طابعاً دينياً بل سياسياً، ومن غير المعقول أن يكون الشارع على حق يوم انتفض ضد استبداد الأنظمة المخلوعة، فيما أن انتفاضته الراهنة ضد حكومة الربيع لا تقابل بنفس التفهم. ولولا أن هناك بواعث دفعته إلى الاصطفاف في مواجهة التجارب الجديدة التي استنفدت رصيدها في زمن قياسي، لما كان الانجذاب إلى الشارع يتم بهذه الطريقة. بخاصة أن جدار الخوف الذي حطمته حشود الميادين، لا يمكن معاودة ترميمه، لأن التاريخ لا يعود إلى الوراء. ولكن غياب الرؤية الاستباقية بدا صفة مشتركة، في ضوء الاستهانة بالوعي الذي فجره الربيع العربي. إسلاميو تونس لا يريدون تكرار التجربة المصرية. وفي أقل تقدير أنهم يرغبون في الإفادة من أخطائها، ساعدهم في ذلك أن طبيعة التحالف القائم بين مكونات الترويكا، تكبح جموح الاستئثار بالحكم. عدا أن دخول أعرق تنظيم نقابي على خط المفاوضات، كما فعل الاتحاد العام التونسي للشغل أسعف في تجاوز الفراغ الذي يؤدي إلى الاختناق. والمشكل في تجربة «إخوان» مصر أنهم ألغوا إمكان الانفتاح على أي تنظيم سياسي أو نقابي. ما يؤكد أن الإبقاء على وجود تنظيمات، على رغم الاختلاف معها، يساعد في ربط قنوات الاتصال. أسطع دليل أنه إلى جوار تونس تنامت التجربة الليبية عند مفترقات الطرق، في ظل غياب تنظيمات تكفل امتداد الحوار في أي اتجاه. لكن النموذج الليبي يقدم نموذجاً صارخاً بتناقضات الثورة. عندما تسيطر جماعات مسلحة على منابع النفط، وتقيم لنفسها سجوناً ومحاكم خارج رقابة الدولة العاجزة عن فرض سلطة الأمن والقانون. لو لم يحدث انقلاب على انتفاضة 25 يناير في مصر، لما انتفض الشعب المصري في 30 تموز (يوليو). والواقع ذاته ينسحب على أوضاع تونس، مع فارق أن زعامة «النهضة» أبدت تفهماً للإكراهات، وقد يسعفها ذلك في حال لم يكن مجرد ترتيبات لربح الوقت. مع أنه لم يعد يميل لفائدة من كانوا يتحكمون في عقارب ساعته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسلاميو تونس والتجربة المصرية إسلاميو تونس والتجربة المصرية



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib