بقلم : أمينة خيري
كما هو متوقع تمامًا فى كل الأحداث الكبرى والحوادث الفادحة، تنجرف البشرية إلى المتابعة والغرق فى التفاصيل على مدار الدقيقة لا الساعة، وهو الغرق الذى سهّلته ويسّرته وأتاحته الفضائيات التلفزيونية، ثم التحقت بها منصات «السوشيال ميديا»، القادرة على إبقاء المتابعين فى قلب الحدث، وإن كان من وجهة النظر أو الزاوية المتاحة أو المفضلة أو المختارة لهم.
وبعد بضعة أسابيع أو أشهر من هذا الانجراف والغرق، لابد أن تعود القاعدة العريضة من البشرية إلى استئناف حياتها. ربما لا تعود كلية، وربما تظل مهتمة، متابعة، شغوفة بما يجرى، وربما أيضًا تظل متضامنة أو منددة أو حتى فاعلة فى المشهد المأساوى الدائرة رحاه، ولكنها تضطر إلى متابعة الأسرة والعمل والسكن والتعليم والصحة.. إلخ. وهذا ليس عيبًا، أو تقصيرًا، أو ضجرًا مما يحدث من أهوال لأخوة فى الإنسانية، فما بالك بأشقاء وجيران وأهل؟!.
حرب غزة مازالت دائرة. صحيح أن عداد القتلى اليومى خَفُت مقارنة بالأيام الأولى من الحرب التى تبعت عملية «حماس» يوم 7 أكتوبر الماضى، لكن العداد لم يتوقف، والخراب لم يخفت، ربما لأن ما تم تخريبه وتدميره أتى على أغلب البنى التحتية وكذلك الفوقية.
غاية القول؛ إن عودتنا إلى التفكير والتركيز فى تفاصيل ومتطلبات حياتنا اليومية- والذى ليس عيبًا بالمناسبة ولا يعنى بأى حال من الأحوال نسيان غزة أو التغاضى عما يحدث لأهلها أو عدم القلق مما سيسفر عنه اليوم التالى لانتهاء الحرب- تعنى الالتفات مجددًا إلى القضية الأكثر إلحاحًا، والهَم الأكبر ثقلًا.. ألا وهو الاقتصاد.
حتى إن الاهتمام الكبير والمعروف والمتوقع من المنتخب المصرى وأدائه فى كأس الأمم الإفريقية سينتهى بعد أقل من شهر. وسواء أسعدنا المنتخب بأداء رائع، أو أتعسنا بأداء غير رائع، ومهما ملأنا «السوشيال ميديا» صراخًا ابتهاجًا رافعين إياهم سابع سماء، أو غمًا وخفسًا بهم سابع أرض، سنعود حتمًا إلى الاقتصاد.
أتابع مقالات الدكتور زياد بهاء الدين فى «المصرى اليوم» بشكل عام منذ سنوات. أحب أسلوب التفكير العلمى فى الأشياء والمصحوب بمعرفة عميقة بطبيعة المجتمع والظروف والأوضاع. أكره الأسلوب المعتمد على دغدغة مشاعر الجماهير عبر الصراخ أو النواح، وأمقت ما أتت به السوشيال ميديا إلى مجتمعنا من «شرشحة» افتراضية، حتى لو كان الغرض منها يبدو ساميًا. لذلك فإن ما يكتبه الدكتور زياد بهاء الدين متطرقًا إلى اقتصاد بلدنا وأحيانًا بلاد الغير، أعتبره درة اقتصادية فى زمن عزّت فيه الدرر.. وكذلك «الدرر»، أى الدولار بالمنطوق الشعبى للورقة الخضراء.
كقارئة ومواطنة، أجد ما يكتبه جديرًا بالاهتمام، بل وبالتفعيل. وإن لم يكن قابلًا للتفعيل، فأود وأحب أن أسمع وأعرف أسباب عدم القابلية. قبل أيام، كتب الدكتور زياد: «بداية غير مقنعة لعام اقتصادى جديد».. وكان عنوان المقال السابق له «مع بداية عام جديد.. هل من تغيير اقتصادى؟».
المقالان جديران بشرح وطنى رسمى