بقلم : أمينة خيري
بمناسبة الحملات التي تستعر فجأة على منصات الـ«سوشيال ميديا»، ثم تختفى فجأة، ولو بعد أسابيع أو أشهر، أقول إن شبكة الإنترنت ومشتملاتها بما فيها منصات السوشيال ميديا لم تكن، منذ ابتكارها، خيرا مطلقا أو شرا كاملا.
العالم الرقمى، مثله مثل أي اختراع أو ابتكار، فيه الإيجابى وفيه كذلك السلبى، وذلك بحسب استخدام كل منا له. لكن استخدام السوشيال ميديا يفترض أن يكون فيه قدر من المسؤولية المجتمعية التي كثيرا ما تغيب عن الكثيرين.
على سبيل المثال، حضرتك تمتلك سيارة اشتريتها بحر مالك، هل من حقك، بحكم امتلاكك لها، أن تقرر أن تقودها بسرعة 180 كم/ الساعة أو عكس الاتجاه أو تتركها في عرض الشارع؟ أعلم تماما أن هذا يحدث بسبب ضرب عرض الحائط بالقوانين، لكن من يمتلك واحدا في المائة شعورا بأثر ما يفعل على نفسه والآخرين، ومن يمتلك واحدا في المائة أخرى قدرة على التمييز بين الحرية الشخصية وبين حرية الآخرين وحقوقهم سيفكر حتما مرتين قبل أن يطير بسيارته، حتى لو لم يكن هناك شرطى يوقفه في الطريق أو رادار يحرر له مخالفة.
حق الآخرين في ألا تدهسهم بسيارتك لأنك قررت أن تقود بجنون أو عكس الاتجاه مثله مثل حق الآخرين في ألا تلحق بهم الضرر عبر استخدامك للسوشيال ميديا، ولو كان خلف اسم مستعار أو حساب مجهل أو لجنة إلكترونية تسترزق منها، على اعتبار إنها أكل عيش.
صحيح أن «أكل العيش يحب الخفية»، لكن للخفية أيضا أصول وقواعد. وحين تخرج الخفية عن قواعد التهذيب، أو تلحق الضرر بآخرين، أو تهبد لمجرد الهبد، وهى لا تدرى- أو ربما تدرى- أن هبدها فيه سم قاتل، فهذا لا يختلف كثيرا عن مشروع القاتل، قائد السيارة الطائش الأرعن الذي يعتبر الشارع ملعب بيته الخلفى، والسيارة دميته التي يلعب بها كيفما شاء.
وشاء القدر أن أكون من أوائل من كتب في مصر عن التمكين الرقمى، وذلك في عام 2003. كانت البداية مع الـ«بلوجز» Blogs.
لكن على مدار السنوات، تطور الواقع الافتراضى والتمكين الرقمين، وأصبح، كغيره، أداة خير ومنفعة، وسلاح شر وضرر.
أتت هذه العوالم الرقمية الجديدة إلينا ونحن جالسون على كنباتنا بأداة نافعة للتثقيف والترقى والنقاش، لكنها في الوقت نفسه أداة قاتلة بالكلمة والشتائم والاتهامات المرسلة. والمصيبة أن هناك ملايين قابعون خلف شاشاتهم ممن يؤثر فيهم المحتوى الرقمى بشكل مميت. تخيل عزيزى القارئ أن حسابات مجهولة وكتائب إلكترونية قادرة على إشعال فتيل حرب، بينما هم جالسون على القهوة يحتسون الشاى؟.
كل المطلوب قليل من التعقل وكثير من التفكير قبل الانصياع وراء ما نتلقاه على هذه المنصات. السوشيال ميديا لعبت وتلعب أدوارا محورية في إذكاء الكثير من الصراعات الدائرة في عالمنا، وبعضها بدأ بـ«هاشتاج.