العفو الملكي وغياب الرشد السياسي

العفو الملكي وغياب الرشد السياسي

المغرب اليوم -

العفو الملكي وغياب الرشد السياسي

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

في منطقة مليئة بالصراعات، ومتخمة بالمفاجآت غير السارة، وهي منطقة الشرق الأوسط، يأتي العفو الملكي الذي أصدره ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى، كضوء أمل جديد ومبشر. فقد تم العفو عن أكثر من ألف وخمسمئة مسجون بتهم مختلفة، ذهبوا إلى منازلهم بسلام. وقد قابلت مؤسسة حقوق الإنسان الدولية ذلك القرار بترحاب، ووصفته بأنه خطوة تدعم حقوق الإنسان، كما غرد نائب رئيس مجلس الشورى في البحرين، باقتراح إيجابي أن يحصل المفرج عنهم على معاش كريم، حتى يتسنى لهم الوقت الذي ينضمون فيه إلى سوق العمل المحلي.
 

بكل المقاييس، فإن الخطوة إيجابية، وبعيدة النظر، وتأتي من قيادة تثمن أهمية التسامح، وفتح الفرص للمواطن بعيش كريم.

إلا أن المؤسف في غياب الرشد السياسي لدى بعض متزعمي (قوى المعارضة)، إن صح التعبير، وبخاصة بعض رجال عاملين في الشؤون الدينية، ومنغمسون في لجة السياسة، أنهم قدموا مباشرة خطاباً تأزيمياً تجاه تلك الخطوة الإيجابية، مفسدين على المطلق سراحهم فرحة الخروج إلى المجتمع، موترين الجو السياسي المحلي، من دون أن يأبهوا، لا إلى معاناة الناس، ولا إلى العمل المسؤول لتطوير هامش الوفاق الاجتماعي المطلوب.

وبدأت نغمة كريهة في تصعيد التحيز الطائفي، وبث الكراهية، والذي تجاوزها المجتمع بكل مكوناته منذ زمن، بعد أزمة وطنية قاسية.

هذا البعض لا يستطيع إلا أن يفكر بما كان في الماضي، والذي سبب كل تلك المآسي الاجتماعية، وشق الصف الوطني، وبعثرة جهود التنمية، خالطاً خلطاً مرَضياً بين الوطن وحفظه وسلامته، مهما اختلف في الاجتهادات السياسية، وبين ضياع الوطن وإلحاقه بقوى إقليمية، لم تقدم لشعبها إلا القمع والفاقة، والاشتباك في حروب بالوكالة، استنزفت، وما زالت تستنزف الطاقات.

هناك فرق واضح بين مطالب وطنية ومطالب فوق وطنية، أو عابرة للوطن، الأخيرة خربت بلداناً حولنا، والأمثلة كثيرة، منها لبنان، الذي ضاع كدولة في خضم ميليشيات تابعة للخارج، وبين العراق الذي ما زال يعاني من تلك الفرقة الوطنية، واليمن ليس بعيداً عنهما، وما يعانيه أهله من مرض وفقر مشاهد.

الحفاظ على الوطن هو في انسجام كل مكوناته، وانخراط الجميع في تطويره، وكل الأوطان تعيش فيها مكونات مختلفة، سواء دينية أو مذهبية أو عرقية، هي كالسفينة الواحدة، إن ضربها إعصار، فهو يدمر السفينة بكل ركابها، لذلك فاستمرار الدعوات المفككة للوطن، وفي أجندة خفية (معروفة) في الإلحاق بالخارج، هو ليس عملاً وطنياً، بل العكس هو عمل (غير وطني)، واستغلال بعض المنغصات، لا من أجل إزالتها أمام كل المواطنين، بل من أجل تحشيد البعض ضد البعض الآخر، والإضرار بالوطن، هو من أعمال القصور السياسي، وغمس السياسي المتغير بالديني الثابت، هو سوء استخدام العقل، ولا يقدم إلى المواطن ما يرجوه من سلام، بل يزيد التأزيم، ويسمح لضعاف النفوس، وربما الجهلة، أو أصحاب الأجندات التخريبية، فرصة للعبث بالأمن الوطني.

البعض، مع الأسف، لا يريد أن يقرأ المتغيرات، ولا يعي الدروس المستفادة من الماضي، يريد أن يرجع الأمر إلى سيرته الأولى.

إلا أن أصواتاً عاقلة بدأنا نسمعها مجاهرة من نفس النسيج ضد ذلك التوجه إلى التأزيم، وربما نحتاج إلى أصوات عاقلة أخرى من الطيف الاجتماعي للصدع بقرع الجرس، والإشارة إلى الخطر القادم من تلك المجموعة المأزومة، لأن الوقت ليس وقت المجاملة، حيث بقاء الأوطان حرة منسجمة بين مكوناتها، هو حائط الصد الحقيقي، ولعل العفو الملكي قد بدأ تلك الخطوة لتحصين الوطن، فهل يفهم البعض تلك الخطوة، ويقابلونها بما تستحق، أم يضلون في أوهامهم التي قد تحرق الأخضر واليابس.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العفو الملكي وغياب الرشد السياسي العفو الملكي وغياب الرشد السياسي



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib