أميركا و بريطانيا وروسيا وهلاك العالم

أميركا و بريطانيا وروسيا وهلاك العالم

المغرب اليوم -

أميركا و بريطانيا وروسيا وهلاك العالم

فيصل مكرم
بقلم : فيصل مكرم

يصعبُ التنبّؤُ بنهاية أي حرب تندلع في أي مكان على هذا الكوكب وسواء كانت حربًا صغيرة ذات طابع عشائري أو جهوي محلي، أو حربًا كبيرة بين دول بحجم وخطورة الحرب الروسية الأوكرانية في أوروبا، فإن نهايتها تكون مفتوحة على كل الاحتمالات والتوقعات خاصة أن هذه الحرب في أوكرانيا باتت عمليًا مواجهة بين روسيا وحلف النيتو، وشكليًا بين روسيا وأوكرانيا حيث تدور رحاها على أرض الأخيرة التي أصبحت تعتمد على الدعم الأمريكي والأوروبي عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا بما يبقيها صامدة في وجه قوة الجيش الروسي واستنزافه في موازاة سلسلة من العقوبات على موسكو لم تتوقف منذ اندلاع هذه الحرب التي نجحت واشنطن وبريطانيا وحلفاؤهما إلى حدٍ بعيد في استدراج الروس وجيوشهم إلى حرب استنزاف طويلة الأمد في أوكرانيا رغم أن التحالف الغربي يدرك استحالة هزيمة روسيا النووية وتركيع زعيم الكريملين القوي والطموح.

وبطبيعة الحروب لا يمكن تصنيفها في منهج فلسفي يتفق مع تطور المنطق الإنساني للأشياء الملموسة أو المفهومة في الحياة المعاصرة بمعناها الشامل، وحيث إن اندلاع الحروب ينحصر في إطار  الصراع القائم منذ الأزل بين بني البشر، فلا بد أن يكون العقل هنا حاضرًا بقوة في إحداث الاختلال أو المنعرج الخطير الذي يتجه به نحو الصدام الوجودي بين مَن يعتقد بأنه محاصر ومهدد ويتم إضعافه بصورة مُمنهجة ما لم ينضو تحت منظومة الخضوع والطاعة المُطلقة للأقوى، والمعنيّ هنا هو الطرف الثاني (النيتو) الذي يريد تحقيق أهدافه من نتائج حروب يديرها من خلف ستار، وهنا يكمن المفهوم الفلسفي الذي يتجاوز المنطق المزدهر للعصر الذي يكرّس تقدم ما هو في صالح البشرية على ما يعطل مقومات تقدمها، وحين نتمعن في معطيات الحرب في أوكرانيا وفي مخرجاتها نجد كلا المسألتين في غاية التعقيد، حيث إن هذه الحرب تجاوزت المفهوم الشامل للحداثة والنهضة الإنسانية في أوروبا والغرب عمومًا لتخضع لمفاهيم القوة والبقاء التي كانت تدير الصراعات الدينية والقبلية قبل عصر النهضة، وبالتالي فإن ما يجري اليوم هو استحضار كل ما من شأنه تقويض أي عقد اجتماعي توافقت عليه أوروبا قبلًا، أو اتفقت عليه النوازع الإنسانية الطبيعية تباعًا.

بعد ثلاثة عقود من سقوط الاتحاد السوفيتي ونهاية ما كان يُعرف بحلف وارسو خلال الحرب الباردة ومن ثم تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة النظام العالمي الجديد يسأل الروس: لماذا بقي حلف النيتو ولماذا يتزايد نفوذه في أوروبا الشرقية حتى بات يشكل تهديدًا وجوديًا لروسيا التي أصبح لها رئيس يطمح لإعادة أمجادها الغابرة والمُعاصرة؟. وباعتبارها قوة عسكرية ونووية واقتصادية كبرى فلا بد من احتوائها بحيث لا يمكنها التمرد على هيمنة واشنطن والقفز إلى فرض نظام عالمي متعدد الأقطاب بعد أن أصبحت الصين قوة اقتصادية تنافس الغرب وقوة عسكرية ونووية لا يُستهان بها، وهنا ينبغي التعاطي مع تطورات الحرب في أوكرانيا كونها نتاج شعور بالخوف وبالقوة معًا بالنسبة لروسيا والغرب ذلك أن الرئيس بوتين أقدم على غزو أوكرانيا وهو يعتمد على قوته النووية، إذ يستحيل هزيمة دولة نووية في حرب تقليدية هكذا يقول الكريملين، فيما تقول واشنطن بأنها لن تخوض مواجهة مباشرة مع روسيا في أوكرانيا، وإنما تدعم كييف بالإمدادات الاقتصادية والتسليح لكي تدافع عن نفسها وتمنع الرئيس بوتين من انتصار يتيح له التمدد في دول أخرى، وبالتالي هذه المواجهة قد تأخذ منحًى خطيرًا بات متوقعًا كلما طالت هذه الحرب لأن كلا طرفيها يمتلك مخزونًا نوويًا يكفي لتدمير كوكب الأرض عشرات المرات خاصة وأنه لا يلوح في الأفق أي بصيص لأمل التوصل إلى إيقاف هذه الحرب قبل أن يدفع العالم بأسره ثمن انحياز الأقوياء لخيار البقاء للأقوى وهو يعني العودة إلى عصور الحروب الجنونية الوجودية التي قد تخرج عن السيطرة، ولا ينتمي هذا الواقع إلى عصر الحداثة والازدهار الحضاري وتبجيل الحياة الإنسانية التي تدّعي أمريكا وحلفاؤها الأوربيون بأنها من تدافع عنه، ما قد يؤدي إلى تصعيد الحرب في أوكرانيا وتحويلها إلى حرب عابرة للحدود تنتهي بهلاكها وهلاك العالم دون استثناء.
 *فيصل مكرم صحفي وكاتب يمني

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا و بريطانيا وروسيا وهلاك العالم أميركا و بريطانيا وروسيا وهلاك العالم



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib