بقلم : مشعل السديري
لما اجتمع الناس بالقادسية دعت الخنساء بنت عمرو النخعية بنيها الأربعة، فقالت: يا بنيّ، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم، والله ما ثبت بكم الدار ولا أقحمتكم السنة، ولا أرادكم الطمع، والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا عموت نسبكم، ولا أوطأت حريمكم، ولا أبحت حماكم، فإذا كان غداً إن شاء الله، فاغدوا لقتال عدوكم مستنصرين الله مستبصرين، فإذا رأيتم الحرب قد أبدت ساقها، وقد ضريت رواقها فتيمموا وطيسها، وجالدوا خميسها، تظفروا بالمغنم والسلامة والفوز والكرامة في دار الخلد والمقامة، فانصرف الفتية من عندها وهم لأمرها طائعون، وبنصحها عارفون، فلما لقوا العدو شد أولهم وهو يرتجز ويقول:
يا إخوانا إن العجوز الناصحهْ قد أشربتنا إذ دعتنا البارحهْ
نصيحة ذات بيان واضحهْ فباكروا الحرب الضروس الكالحهْ
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحهْ فأنتم بين حياة صالحهْ
ثم شد الذي يليه وهو يقول:
والله لا نعصي العجوز حرفاً قد أمرتنا حدباً وعطفا
منها وبراً صادقاً ولطفا فباكروا الحرب الضروس زحفا
ثم شد الذي يليه وهو يقول:
لنا لخنساء ولا للأخرم ولا لعمرو ذي السناء الأقدم
بكل محمود اللقاء ضيغم ماض على الهول خصيم خضرم
إما لقهر عاجل أو مغنم أو لحياة في السبيل الأكرم
وشد الأخير قائلاً:
إن العجوز ذات حزم وجلد والنظر الأوفق والرأي السُدد
قد أمرتنا بالصواب والرشد نصيحة منها وبراً بالولد
فباكروا الحرب نماء في العدد إما لقهر واختيار للبلد
أو منية تورث خلداً للأبد في جنة الفردوس في عيش رغد
فقاتلوا جميعاً حتى فتح الله للمسلمين، وكانوا يأخذون أعطيتهم ألفين ألفين، فيجيئون بها فيصبون في حجرها، فتقسم ذلك بينهم حفنة حفنة، فما يغادر واحد عن عطائه درهماً –انتهى.
ومن وجهة نظري المحايدة، لا بد أن أؤكد على شجاعة الأبناء الأربعة وامتثالهم لطاعة أمهم، ولكن لا شك أن لديهم شيئاً من السذاجة، فالغالبية العظمى من النساء في كل العصور لا تقبل الواحدة منهن أن توصف بالعجوز مهما بلغت من العمر عتياً.