اتحاد دول الساحل الأفريقي الثلاث صرخة عسكرية

اتحاد دول الساحل الأفريقي الثلاث... صرخة عسكرية

المغرب اليوم -

اتحاد دول الساحل الأفريقي الثلاث صرخة عسكرية

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

أعلنت كل من بوركينا فاسو والنيجر ومالي، تأسيس اتحاد كونفدرالي يجمعها في كيان سياسي واحد، له أهداف عسكرية وسياسية واقتصادية وأمنية. وقررت هذه الدول القطيعة الكاملة مع التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (الإيكواس). الدول الثلاث تحكمها مجالس عسكرية بعد انقلابات أطاحت بأنظمتها في السنة الماضية. بدأت خطوات التنسيق والتعاون بين دول أفريقيا مبكراً، بعدما حققت غالبية دول القارة استقلالها من الاستعمار الغربي، في منتصف العقد السادس من القرن الماضي. في شهر مايو (أيار) سنة 1963 تأسست «منظمة الوحدة الأفريقية»، كان هدفها الأساسي، دعم حركات التحرير والاستقلال في القارة، والقضاء على نظام التمييز العنصري في جنوبها. كانت القدرات السياسية والعسكرية والاقتصادية للدول المستقلة محدودة، والنظام العنصري في جنوب القارة له قوة عسكرية وعلمية ومالية متفوقة، وله دعم سياسي كبير من بعض الدول الأوروبية، خصوصاً بريطانيا وكذلك الولايات المتحدة الأميركية. تبنّت المنظمة سياسة المقاطعة الشاملة للنظام العنصري، وبذلت جهوداً كبيرة في جميع المحافل الإقليمية والدولية، من أجل نصرة قضايا أفريقيا، في التحرير ومواجهة نظام التمييز العنصري، وتحقق الهدف بزوال نظام التمييز العنصري. بناء الدول المستقلة الناشئة، كان الاهتمام الأول لقادة دول الاستقلال. البنية التحتية والتعليم والصحة، كانت الشغل الشاغل، ولكن تأسيس الجيوش، كانت له أولوية خاصة. فالجيش الوطني في مرتبة العلم والنشيد الوطني، لا تكتمل سيادة الدولة، بل وجودها إلا به. غادرت الجيوش الأجنبية، والمندوبون السامون، البلدان المستقلة، لكن سنوات الاستعمار الطويلة، تركت في الأرض والناس رواسب، لم ترحل وبقيت راسخة. أولاها لغة الاستعمار التي صارت اللغة الرسمية في التعليم والإدارة، وتبنّتها النخب في وسائل الإعلام، بل وفي التفكير أيضاً. دول غرب أفريقيا، سكَّت لها فرنسا عملة الفرنك سيفا، لها غطاء من مصرف فرنسا المركزي. عواصف عاتية هبَّت بسرعة في أغلب الدول الجديدة، وهي الانقلابات العسكرية، التي أزاحت الآباء الذين كافحوا بالسلاح أو السياسة، أو بالاثنين معاً من أجل الاستقلال. وتولى ضباط يحملون رتباً عسكرية متوسطة أو صغيرة مقاليد الحكم. ترتب على ذلك قيام أنظمة حكم هشة، ساد فيها الفساد والعنف، وتراجعت المحاولات الأولى لمأسسة الدولة. انزاحت بعض الأنظمة إلى الكتلة الشرقية الشيوعية، ورفعت الشعارات الاشتراكية، وبدأت الخلافات بين الأنظمة، وصلت في كثير من الحالات إلى الصدام العسكري. فتح ذلك الأبواب للتدخل العسكري الخارجي، مثلما حدث في حالتَي أنغولا والكونغو وغيرهما. حلم تحقيق أشكال من التعاون، أو الوحدة لم يغب عن نخب القارة. التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)، وتجمع «الإيغاد» الاقتصادي، وتجمع دول الساحل والصحراء، وأخيراً تحويل «منظمة الوحدة الأفريقية» إلى «الاتحاد الأفريقي». كل هذه الأجسام لم تحقق شيئاً ملموساً على أرض الواقع، ولم تتمكّن من وضع حدٍّ للصراعات الداخلية، والتبعية للخارج، واستغلال ثروات البلدان الأفريقية، وتمركُّز القواعد العسكرية الأجنبية في بعض الدول الأفريقية. طامة نارية حلت بالقارة وهي انتشار المجموعات الإرهابية المسلحة في أجزاء واسعة من القارة، بحيث أفقدت الأنظمة السيطرة على أجزاء كبيرة من مساحتها، وارتفعت نسبة الفقر، مما دفع بآلاف الشباب إلى مغادرة أوطانهم. في الأسبوعين الماضيين، اتفق كل من الجنرال أسيمي قويتا رئيس المجلس العسكري في مالي، والعقيد إبراهيم تراوري، رئيس المجلس العسكري في بوركينا فاسو، والعقيد عبد الرحمن تياني، رئيس المجلس العسكري في النيجر، على إقامة «الاتحاد الكونفدرالي لدول الساحل والصحراء»، الذي يضم دولهم الثلاث. هدف الاتحاد، التعاون في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية. والعمل على إنشاء عملة للاتحاد، والخروج من مجموعة الفرنك سيفا، وتطوير اللغات المحلية، لتحل محل اللغة الفرنسية، وإخراج القواعد العسكرية الغربية، وتحديداً الفرنسية والأميركية من أراضي الاتحاد الجديد، وإقامة علاقات وطيدة مع دولة روسيا الاتحادية في جميع المجالات بما فيها العسكرية. هذه الدول الثلاث، تعيش أزمة اقتصادية كبيرة، أشدها تلك المترتبة على العقوبات التي فرضتها عليها، مجموعة دول غرب أفريقيا الاقتصادية (الإيكواس)، وهي تعتمد في الوقت ذاته على المعونات المالية الغربية، بما فيها المواد الغذائية والأدوية، ورواتب الموظفين. المجموعات الإرهابية المسلحة المنتشرة في هذه الدول الثلاث وما جاورها، تسهم الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، بجهد عسكري ومالي وتدريبي في مواجهتها. شرعت روسيا في بناء قواعد عسكرية لها في دول هذا الاتحاد الجديد، وبدأت في توسيع تعاونها العسكري والاقتصادي معها. لا شك أن جيلاً أفريقياً جديداً، يرفض استمرار الهيمنة الغربية التي امتدت منذ سنوات الاستعمار المباشر، وكذلك تغييب الهويات الوطنية بفرض لغات وعملات أجنبية، ووجود قوات عسكرية من دول أخرى. لكن إنجاز الاستقلال والحرية والاعتماد على الذات، لا يتحقق بالبيانات الغاضبة والأحلام الكبيرة، التي تكررت تجاربها. بل بدول جديدة وبإنسان جديد، وتجاوز حقبة الانقلابات العسكرية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اتحاد دول الساحل الأفريقي الثلاث صرخة عسكرية اتحاد دول الساحل الأفريقي الثلاث صرخة عسكرية



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib