روسيا وفرنسا حرب مفتوحة في أفريقيا

روسيا وفرنسا... حرب مفتوحة في أفريقيا

المغرب اليوم -

روسيا وفرنسا حرب مفتوحة في أفريقيا

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

لم تعد المواجهة بين روسيا وفرنسا في أفريقيا حرباً دبلوماسية أو إعلامية فحسب. الآن صارت حرب إبعاد وإبدال. مؤخراً، طلبت حكومة بوركينا فاسو من فرنسا سحب جميع قواتها من الأراضي البوركينية. قبل ذلك قدمت حكومة مالي نفس الطلب لفرنسا. موجة شعبية كبيرة في دول الساحل والصحراء تصر على خروج فرنسا الكامل من أراضيها، وتواصل توجيه التهم لها. الموجة الشعبية المعادية لفرنسا وصلت إلى جمهورية مالي، وبدأت تفعل فعلها. ولا يستبعد أن تنتقل تلك الموجة قريباً إلى تشاد العضو المهم في منظومة دول الساحل والصحراء وكذلك النيجر، ولفرنسا وجود عسكري واقتصادي مهم فيهما.
بدأ السياسيون والمثقفون الأفارقة يفتحون ملفات الماضي الاستعماري الفرنسي في القارة، ويدعون إلى معركة الاستقلال الجديد، كما يسميه بعضهم، والتحرر من كل ما هو فرنسي بما فيه اللغة. في دولة بوركينا فاسو، يجري العمل على غلق محطة الإذاعة الفرنسية، وفي مالي ترتفع الأصوات الداعية للتوسع في استعمال اللغة العربية والتضييق على اللغة الفرنسية.
محاربة الإرهاب كانت الباب الذي عادت منه فرنسا إلى غرب أفريقيا، وتحديداً دول الساحل والصحراء. الرئيس الفرنسي السابق هولاند دفع بقواته إلى شمال مالي بطلب من حكومتها، وتعاون مع الأمم المتحدة وبعض دول المنطقة من أجل فرض السلام في منطقة أزواد بشمال مالي. قام هولاند بزيارة المنطقة، حيث لاقى استقبالاً شعبياً كبيراً. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي خلفه، وسع حجم وجود فرنسا العسكري، وجعل تدخله في دول الساحل والصحراء، من مرتكزات سياسته الخارجية. لكن التنظيمات المتطرفة، وفي مقدمتها «داعش» و«القاعدة»، وسّعت نشاطها وسيطرت على مناطق تمتد من بوركينا فاسو إلى مالي والنيجر وتشاد. وتراجعت سلطات الحكومات إلى حدود العواصم، وبدأت حالة الفشل السياسي والاقتصادي ترتفع وتتسع، وتتحول إلى ظاهرة قوية عابرة لحدود الدول. وُلد خطاب شعبي عنيف يرفع وتيرة العداء لفرنسا ويتهمها باستعمال الحركات الإرهابية ذريعة من أجل نهب مقدرات هذه الدول، وتقدمت نخب ذات ميول يسارية إلى فتح ملفات الماضي الاستعماري الفرنسي في أفريقيا. الحرب الروسية على أوكرانيا ودعم دول الناتو لها دفعا روسيا إلى توسيع جبهتها وفتْح محور للحرب في أفريقيا. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال زيارته في الأسبوع الماضي إلى جنوب أفريقيا شن هجوماً نارياً على فرنسا، واتهمها بالعودة الاستعمارية إلى أفريقيا. وأضاف لافروف أن تدخل فرنسا في ليبيا سنة 2011 كان بهدف اتخاذ الأراضي الليبية منصة للقفز منها إلى داخل القارة الأفريقية. مقابل الحملات الشعبية الواسعة التي تدعو إلى خروج فرنسا من أفريقيا، هناك موجة مضادة تزداد اتساعاً، وهي الموجة التي ترحب وتطالب بالوجود الروسي في دول الساحل والصحراء. وجود عناصر «فاغنر» الروسية في هذه الدول وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية موزمبيق لم يعد سراً، بل هو بارز في الأماكن الحيوية والمهمة؛ المطارات والمناجم وبعض المعسكرات وحتى في بعض الدوائر الحكومية.
اليوم هناك صراع على النفوذ الاقتصادي والأمني في القارة الأفريقية. الصين موجودة بقوة ولها قبول كبير، في وسط القارة وجنوبها، روسيا تتحرك أمنياً وعسكرياً عبر توسيع وجود قوات «فاغنر» في دول الساحل والصحراء وشمال أفريقيا. أما الولايات المتحدة الأميركية، فلا وجود اقتصادياً مؤثراً لها في القارة. قدمت في البداية دعماً للقوات الفرنسية لمقاومة الإرهاب، لكنها قللت من ذلك الوجود بعد التراجع الفرنسي.
تآكل الدولة في وسط القارة وغربها، وانعكاسه على النسيج الاجتماعي والتماسك الوطني والقدرات الاقتصادية، لا يمكن أن يواجها بتدخل خارجي روسي أو فرنسي أو غيرهما. التنظيمات الإرهابية لن تتراجع وسترفع من قدراتها، مستثمرة في تهريب البشر، ونهب ثروات مناجم الذهب والمنجنيز وغيرهما. الحرب الروسية الأوكرانية ستسهم في توسيع وتصعيد المواجهة بين روسيا وفرنسا على الساحة الأفريقية، ولن تتردد روسيا في توظيف الحماس الشعبي الداعم لوجودها على التراب الأفريقي.
هل ستكتفي روسيا بقوات «فاغنر» على الأرض الأفريقية، أم ستوسع وجودها الثقافي والاقتصادي في القارة لتحل محل فرنسا، خاصة في دول الساحل والصحراء، حيث يذبل ما غرسته فرنسا منذ عصر استعمارها المباشر لأغلب بلدان القارة الأفريقية؟
أفريقيا منطقة فراغ من نوع جديد. على سطحها وفي جوفها ثروات طائلة، والطاقة النظيفة المتجددة هي المحرك اليوم للأطماع الدولية، وأفريقيا لها إمكانات هائلة في هذا المضمار، الذي سيكون محرك الصراعات الدولية القادمة. وروسيا لها قبول كبير في جنوب القارة وغربها، في حين انفجر العداء الشعبي الواسع للوجود العسكري والاقتصادي والأمني لفرنسا.
الانقسام الأوروبي المتزايد يضيف إلى قوة الوجود الروسي في القارة الأفريقية. هجوم رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني العنيف على فرنسا مؤخراً، وحديثها عن الماضي الاستعماري الفرنسي للقارة الأفريقية ونهبها الذي لم يتوقف لثرواتها كما قالت، يكشفان حجم الخلاف بين أطراف دول الاتحاد الأوروبي حول أفريقيا.
القبيلة هي الفيروس الذي شلَّ جهود مأسسة الدولة في أغلب بلدان القارة الأفريقية، وهي الثقب الذي دخل منه الفساد، وجدث فيها المجموعات الإرهابية الوقود الدافع لحركتها. فرنسا منذ دخولها الاستعماري الأول إلى أطراف القارة ووسطها، وظّفت الظاهرة القبلية، بما تشعله من نزاعات وصراعات. لكن أفريقيا اليوم غير تلك التي احتلتها فرنسا في زمن غبر. روسيا جاءت إلى القارة بقوة في سنوات حركات التحرير، خاصة في حقبة الاتحاد السوفياتي، حيث برزت مجموعة ما يمكن أن نطلق عليها «الأساتذة المتأفريقين»، على وزن المستشرقين. تعمقوا في دراسة المجتمعات الأفريقية بكل ما فيها من مكونات اجتماعية وثقافية قديمة وحديثة. وهذا سلاح مضاف يساعد روسيا على توسيع وجودها في القارة الأفريقية، في مواجهة فرنسا التي تنسحب بسرعة في مشهد يرتفع فيه غبار الهزيمة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا وفرنسا حرب مفتوحة في أفريقيا روسيا وفرنسا حرب مفتوحة في أفريقيا



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib