قراءة الشهيق
عاصفة شتوية قوية تضرب شمال أميركا وتتسبب في انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في الجنوب الكشف عن خطة إسرائيلية أعدتها جمعيات استيطانية لإنشاء مدن جديدة وتوسيع مستوطنات في الضفة الغربية خلال فترة ولاية ترامب قمة دول الخليج العربي تُطالب بوقف جرائم القتل والعقاب الجماعي للمدنيين في غزة ورعاية مفاوضات جادة لوقف الحرب جماعة الحوثي تنفذ عملية ضد هدف حيوي في منطقة يافا بفلسطين المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي الجيش الروسي يُحرر بلدتي بيتروفكا وإيليينكا في جمهورية دونيتسك الشعبية استشهاد 4 فلسطينيين بينهم طفل في قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي لمجموعة من المواطنين في خان يونس بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية الرجاء الرياضي ينعي وفاة مشجعين للفريق في حادث سير بعد مباراة الجيش الملكي في دوري أبطال إفريقيا موريتانيا تفرض غرامة ثقيلة على فرع "اتصالات المغرب" بسبب جودة الخدمات
أخر الأخبار

قراءة الشهيق

المغرب اليوم -

قراءة الشهيق

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

أنا بالحقيقة إنسان، بالصدفة فرنسي» (فولتير)
معرفة القادم هاجس ولد مع الإنسان منذ يومه الأول، فالخوف كان التوأم الصامت والصاعق في الوقت ذاته. ما حول الإنسان ومن حوله، هما القوة التي تحف به دائماً وتعطيه حيوية المبادرة والعمل والإبداع. الطبيعة بما فيها من ظواهر تهب الحياة، وتنذر بغائب قادم مجهول، كانت العدو الذي ما من صداقته بدّ. بعقله ركب الإنسان ظهر المجهول الخطير، وطوعه عنوة واستعبد الطبيعة وسخر كل ما بها لغاياته، وحقق نجاحات لا تتوقف عبر فجاج الزمن الطويل. لكن المجهول القادم بقي الهاجس القوي المخيف الذي ما كان للإنسان قدرة على امتطائه وترويضه. تمكن العلم من قراءة الطقس، وتغيراته القريبة والبعيدة، لكن ما سيكون من فعل البشر للبشر، بقي السر الأكبر. مراكز البحوث، والعلماء والمفكرون، يسهرون على تحليل وتفكيك قضايا الحرب والسلام، وتُعقد الندوات والمؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية، للبحث في مختلف القضايا التي تواجه البشر. لكن الضربات الكبيرة والصغيرة، كثيراً ما تكون من أبناء وبنات المجهول.
العوام من الناس لهم أدواتهم الخاصة التي أبدعها تشوقهم لمعرفة الآتي، بل الكثير من الزعماء والأثرياء شاركوهم في ذلك. اكتشف الحذاق قوة ذلك التشوق مبكراً، واخترعوا فنوناً يقولون عبرها للمتشوقين لمعرفة ما هو آت لهم. يجلس الغني والفقير والمتعلم والأمي أمام العرَّاف وهو يخلط أوراق اللعب ليقرأ للحائر القلق غبار الخيال الجميل. عرَّاف آخر يقرأ كف المريد، ويكتب فيه ما حضَّره من سطور الوهم، ويسهب في القول. قارئ الفنجان له فن سحري آخر، إذ ينظر إلى وجه مرتشف القهوة، ليبدأ في دور الطبيب النفساني، وهو يسرح في حلقة الفنجان الذي تتلوى فيه الخطوط الناطقة، وينطلق لسانه بالقول بعد أن يضع الدنيا الآتية كلها في فضاء فنجان صغير.
اليوم في هذا العالم الذي فاض بالعلم، وتعملق فيه الفكر والوعي، وعمَّ التعليم، لا يزال الناس، أو الكثير منهم، بما من فيهم حملة الشهادات العليا، يجلسون بين يدي العرَّافين، بحثاً عن إجابة لأسئلة صامتة في قلوبهم، وحتى في عقولهم.
هل سيأتينا العلم المتدفق، بفن أو تقنية جدية لقراءة ما يخفيه القادم لنا؟ الذكاء الصناعي ينذر أو يبشر بولادة عصر جديد من المعرفة لا نعلم مدى حدودها. قراءة ما في داخل البشر، وقياس نبضات طموحهم وأحلامهم ومخاوفهم، هل سيكون له عرَّافوه العلماء، سحرة حقبة بشرية غير مسبوقة. الشهيق الذي يرشف فيه الإنسان في ثوانٍ قليلة، بأنفه هواء الحياة، مسكوناً بأسرار الوجود وطلاسم البقاء، وعندما يدفع الإنسان بزفيره ما رشفه من شهيق، يتخلق في داخله تكوين يتراكم من تحولات كونية لا تتوقف. كل ما في الإنسان سيكون معروضاً على قراءة يلدها التقدم العلمي المتدفق.
عندما قاد سيغموند فرويد ثورة علمية طبية جديدة، عُرفت بعلم النفس عبر فيها إلى داخل «الأنا» الإنسانية، عند ذلك بدأت رحلة اكتشاف سرية وسحرية لكيان مجهول في داخل الإنسان، فاقت اكتشاف كولومبس للقارة الأميركية.
زراعة الأعضاء، ونقلها من إنسان إلى آخر، قفزة علمية كان أثرها غير محدود في معادلات الحياة. هل سيأتي فيه اليوم الذي يتمكن فيه العلماء من نقل ما في الرؤوس، وزراعته في رؤوس أخرى؟ عالم أو شاعر أو فنان أو باحث، يشرف على الموت أو الخرف، ويوصي بنقل ما خزنه في دماغه عبر سنين طويلة، إلى ابنه أو حفيده أو غيرهما، لم يعد ذلك من المستحيل. ستتغير كثير من المفاهيم، بما فيها مفهوم الثروة. السطو على المخزون العلمي لدى الأشخاص، لا نستبعد أن يكون ممكناً في سنوات مقبلة. في محطة تفتيش إلكترونية مثل المطارات وغيرها، يصير سحب كل ما في رؤوس العلماء والمبدعين ممكناً بنسخها أو أخذها من مالكيها وهم في غفلة يهيمون.
العلم قوة تصير خطراً مرعباً إذا انفلت من عقال الأخلاق والضوابط الإنسانية. منذ أن اخترع العقل البشري السلاح النووي، صارت الحياة البشرية على هاوية ليست لها حافة. في أي لحظة يقفز فيها مجنون إلى هرم القرار الأعلى في دولة تمتلك السلاح النووي، تصبح حياة الناس لا قيمة لها. معادلة الحياة تسكنها القدرات المتناقضة. العلم قوة تسمو بالحياة، لكنها تهدد بتدميرها في الوقت ذاته. المأساة الإنسانية الكبيرة هي أن المرض يعدي والصحة لا تعدي. الشاعر الهندي الكبير طاغور التقى بالدوتشي الإيطالي بينيتو موسوليني الفاشي في روما، وكان بينهما حديث طويل، وتحمس موسوليني لاستقلال الهند عن بريطانيا، وتخلقت بين الاثنين كيمياء مودة، لكن موسوليني لم يتأثر بما سمعه من طاغور عن الحرية والإنسانية والتسامح، بقدر ما اندفع نحو أدولف هتلر، النازي الألماني، وتحالفا في رحلة دم طويلة قتلت الملايين من البشر. المعرفة سلطة كما قال الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، لكن المأساة عندما تكون المعرفة العلمية مصنعاً لقوة تنتج أدرع الهلاك غير المحدود، ويصير الإنسان الفرد، والجماعة البشرية كلها، في مهب المغامرات المريضة.
لا جدال اليوم في أن الطبيعة تعيش حالة هزال يطال كل من يعيش وما يعيش فوق الكرة الأرضية، والفاعل في ذلك هو ما اخترعه واكتشفه العلماء، الذي أصبحت له سلطة مطلقة منفلتة يصعب بل يستحيل كبحها. ما سُمي الذكاء الصناعي، هل سيكون قوة مضافة إلى نزعة الخير وفرحة الحياة وسعادة البشر، أم سيكون طاقة تقتحم أخص الخصوصيات الفردية للناس، وتذكي نوازع سيطرة الأقوياء.
العلم صار قوة تخيف. الطب نجح في فهم الجسد، وتشخيص ما به من مرض، وقدم فرويد علماً دخل إلى وجدان الإنسان، لكن بموافقة مريضه. الآن قد يصبح كل الإنسان مباحاً للآخرين، ما بداخله وخارجه دون أن يدرك ذلك. شهيقك سيقرأه عرَّاف بدلته سوداء وربطة عنقه مزخرفة وهو يبتسم، دون أن تدري.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة الشهيق قراءة الشهيق



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 06:38 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة
المغرب اليوم - السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب

GMT 07:21 2023 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النجمات اللواتي ارتدين البدلة الرسمية هذا العام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib