لميا أم دراكولا

لميا أم دراكولا

المغرب اليوم -

لميا أم دراكولا

سوسن الأبطح
بقلم - سوسن الأبطح

بدت مستشفيات لبنان بعد تفجيرات «البيجرز» شبيهة بحالها بعد انفجار مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس (آب) 2020. من الصعب عدم عقد المقارنة، رغم اختلاف الظرف، ونوعية الحدث. الهلع، الضياع، الدهشة، الازدحام، الأجساد المدماة، الأطراف المقطّعة، الحزن الأسود، النداء للتبرع بالدم، غرف العمليات المكتظة، الغضب العارم، الشعور بالغدر.

خلال دقيقة واحدة تمكنت إسرائيل من تفجير ما يقارب 3 آلاف جهاز «بيجر». ذلك أمر جلل، والنتيجة مجزرة حقيقية، لم يصب مقاتلو «حزب الله» وحدهم، ثمة مسعفون، ونساء وأطفال. شاهدنا جهازاً ينفجر في «سوبر ماركت»، وآخر في الشارع، وغيرهما في منازل وسيارات. ما رمت إليه إسرائيل، قتل أكبر عدد ممكن من الناس، بصرف النظر عن صفتهم، أو جدوى موتهم. 12 قتيلاً حتى اللحظة، بينهم طفلان. ما يقارب 3000 جريح، 200 منهم في حالة حرجة. أي أنك لو وضعت جانباً الدمار العمراني الذي تسبب به انفجار المرفأ، ستقع بعد مدة على عدد من الجرحى والقتلى، ليس بعيداً عن ذاك الحدث الرهيب الذي عاشته بيروت قبل 4 سنوات، والتوقيت دائماً بعد الظهر وقبل المغيب.

ماذا جنت إسرائيل من عمليتها الشنيعة، غير استعراض قدراتها الشيطانية؟ وهل هو انتصار تكنولوجي؟ عملياً لن يعود النازحون إلى شمال إسرائيل، ولن يتوقف «حزب الله» عن القتال، وسيستعيض عن أجهزته بغيرها، إذ من المستحيل ألا تكون البدائل في ذهن المخططين. ثم إن استبدال إسرائيل أجهزة «البيجر» المستوردة، في نقطة ما، في المصنع أو أثناء الشحن، بأخرى مزودة بمتفجرات صغيرة، ليس بالأمر العسير، على من يمتلك إرادة القتل للقتل. لكن إما أن تخضع لأدنى شروط الحرب، أو تتجاوز كل المحرمات، طالما أنك ممنوح رخصة دولية، بتحطيم كل الخطوط والمعايير، وقتل من تريد ساعة تشاء.

الشق الأقوى لمن يمتلك أذرعاً مخابراتية متشعبة، ليس استبدال الأجهزة قبل وصولها إلى أصحابها، ولا إيجاد المعبر التكنولوجي لتفجيرها في وقت واحد، وإنما تتوقف عند الفكرة الإبليسية نفسها، التي تهدف إلى إرداء آلاف الأشخاص في وقت واحد، بصرف النظر عن صفتهم أو أعمارهم، أو وظيفتهم.

إسرائيل بذلك تحثّ أعداءها على تغيير بوصلة خرائطهم، والتخطيط لمواجهتها، بالخبث والمكيدة، بدل المباشرة العسكرية. وهذا لن يكون في صالحها. إذ من مكيدة 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وحدها، لم تخرج إلى اللحظة، فما هي فاعلة إن أحيطت بالحبائل؟

بعد سنة من الحرب على غزة، لم تحقق إسرائيل أي شيء، بحسب المؤرخ اليهودي الفرنسي جورج بنسوسان، لم تتمكن من إطلاق سراح الرهائن، أو تقضي على «حماس»، أو تعيد 100 ألف مهجّر من الشمال إلى بيوتهم. «بل على العكس، وقعت في فخ (حماس)، وأصبح إطلاق سراح الأسرى هزيمة سياسية وعسكرية، وعدم إطلاق سراحهم هزيمة أخلاقية».

محللون إسرائيليون يعتقدون أن الخروج من جنوب لبنان عام 2000 هو الذي فتح عليهم باب جهنم، وأشعر أعداءهم بالقوة والسطوة، معتبرين أن قتيلاً أو قتيلين في اليوم أقل تكلفة مما وصلوا إليه.

إحساس بالندم على إجراءات كثيرة، إلا محاسبة الذات على تضييع كل فرص السلام، وبدلاً من ذلك اعتمد القتل لغة، والدماء وسيلة للردع، والتخويف أداة للبقاء، لأن إسرائيل تراهن على إطالة عمرها، بلعب دور «البعبع» في المنطقة. وإسرائيل بهذا كما الأميرة لميا ذات الوجه الشيطاني المرعب، في الأسطورة الإغريقية، نصفها إنسان والنصف الثاني ثعبان، تعيش في كهف رائحته قبيحة. أحبها زيوس وأنجب منها. لكن امرأته هيرا من غيرتها أجبرت لميا على قتل أولادها جميعهم إلا واحداً، فجنّت، وصار لها صوت السيل المدمر، ورائحة الفقمة، وأفخاذ بشعة، وبدأت تتسلل إلى المنازل بحلول الظلام تسرق الأطفال من مهودهم، وتقتلهم، لتضمن تعذيب الأمهات الأخريات ليشعرن بألمها، وهي تسرق منهن فلذات أكبادهن وتورثهن الحزن والفجيعة.

تصرّ إسرائيل برفضها كل حلّ دائم أو مؤقت بوقف المجازر في غزة، والتوصل إلى أي اتفاق، ومواصلتها تهديد أهل الضفة ولبنان، وإغضابها جيرانها الأقربين والأبعدين، على لعب دور لميا آكلة الأطفال ومصّاصة دماء الرجال. إذا يغيب عن بال «لميا» العصر أننا لسنا من قتلنا أولادها، فتتابع هوايتها في شرب الدماء، متفوقة على «دراكولا» الذي يقال إنه قد لا يكون قد قتل أكثر من 30 ألفاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لميا أم دراكولا لميا أم دراكولا



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib