أي احتمالات أمام حربَي غزة ولبنان

أي احتمالات أمام حربَي غزة ولبنان؟

المغرب اليوم -

أي احتمالات أمام حربَي غزة ولبنان

ناصيف حتّي
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي*

تزامناً مع الذكرى الـ18 لحرب تموز (يوليو)، يعيش لبنان أمام احتمالات/ سيناريوهات مختلفة. ولا بدَّ بداية من التذكير بمفارقة بين حرب تموز 2006، والاجتياح الإسرائيلي حينذاك؛ الحرب التي انتهت بعد 33 يوماً بصدور قرار مجلس الأمن «1701» من جهة، والحرب الدائرة حالياً على الجبهتين الغزاوية واللبنانية من جهة أخرى. غداة حرب تموز قال الأمين العام لـ«حزب الله» كلمته الشهيرة: «لو كنت أعلم»، والمقصود حينذاك ردّ الفعل الإسرائيلي «الكثيف» وغير المتوازن عبر الهجوم الشامل والواسع النطاق على لبنان، بعد عملية خطف جنديين إسرائيليين. فقواعد اللعبة تغيَّرت بعد التحرير في عام 2000، ولم تعد هنالك «قواعد تفاهم» تقوم على توازن أو تماثل في الأعمال العسكرية الردعية أو القتالية بين الطرفين. تبلورت تلك القواعد بشكل خاص في تفاهم نيسان (أبريل) عام 1996، بعد العدوان الإسرائيلي حينذاك على لبنان. العقيدة الاستراتيجية اليوم عند «حزب الله» تختلف كلياً عن تلك التي كانت قائمة حينذاك. اليوم حرب المشاغلة لدعم غزة تقوم على مفهوم وحدة الساحات، وبشكل خاص الساحة اللبنانية لدعم الساحة الفلسطينية، وذلك بسبب عناصر الجغرافيا والقدرة العسكرية والاستراتيجية السياسية والضوابط والظروف الموضوعية، وكلها عناصر تميز بين الساحات المعنية.

بعد أشهر تسعة من الحرب وغرق إسرائيل في «مستنقع غزة» يمكن إدراج الملاحظات التالية:

أولاً: أن هنالك اختلافاً في إسرائيل بين المؤسسة العسكرية التي تدرك القيود والحدود التي يمكن العمل العسكري ضمنها ضد القطاع، وتكرر تحذيرها من مخاطر الغرق في غزة، فيما يجمع الحكومة بكافة أطرافها المتشددة الحرب على غزة والمزايدة بين هذه الأطراف في الموقف من الحرب وأهدافها.

ثانياً: بداية بوادر تغيير طفيف في استراتيجية غزة عند الحكومة الإسرائيلية قوامها الانتقال إلى المرحلة الثالثة بعد الاجتياح، ثم التخلص من خطر «حماس» في رفح وبالتالي تدميرها، كما تدعي، نحو تعزيز السيطرة الأمنية والعسكرية على القطاع والتحول نحو الضربات الاستراتيجية الانتقائية، للقضاء كلياً على ما بقي من «حماس»، وتخفيض مستوى القتال، بدل الحرب المفتوحة، وأيضاً تقطيع أوصال غزة أمنياً لإحكام السيطرة الكلية عليها: إنها محاولة النزول عن الشجرة التي وضعت إسرائيل حالها عليها منذ بداية الحرب؛ محاولة من الصعب جداً تحقيقها كما تريد إسرائيل.

ثالثاً: لا يعني ذلك بتاتاً وقفاً كلياً ودائماً لإطلاق النار، كما تطالب «حماس»، بل الدخول عملياً في حرب استنزاف مفتوحة وقابلة للتخفيض وللتصعيد في أي وقت، مع هدن محتملة مؤقتة أو موضعية ولو صعبة التحقيق بالشروط الإسرائيلية القائمة.

رابعاً: إذا كان هنالك ربط بين الجبهتين اللبنانية والغزاوية من منظور استراتيجية «وحدة الساحات»؛ فإن ذلك بحد ذاته يبقي الوضع على الجبهة اللبنانية هشاً؛ لسببين: أولاً يبقى الوضع على الجبهة اللبنانية محكوماً بطبيعة تلك الهدنة ومدى صلابتها. وثانياً لأن إسرائيل تعتبر أنَّ هنالك فصلاً بين الجبهتين منذ اليوم الأول للحرب؛ إذ كما يصرح المسؤولون الإسرائيليون هنالك رفض للعودة إلى الوضع الذي كان سائداً حتى السابع من تشرين الأول (أكتوبر) على الجبهة اللبنانية. بالطبع تبدو المطالب الإسرائيلية المرتفعة السقف مثل إبعاد «حزب الله» إلى شمال الليطاني نوعاً من أوراق التفاوض عبر الوسطاء، أو من خلال الحرب والتصعيد على الأرض، وغير قابلة للتحقيق كما يدرك الوسطاء أياً كان موقف هؤلاء من الحرب الدائرة. إنَّه نوع من التفاوض على الأرض للتوصل إلى تفاهم مستقبلي، كما حدث عام 1996 مع تفاهم نيسان.

خامساً: تشدد إسرائيل وتهدد باللجوء إلى القوة لإعادة سكان شمال إسرائيل إلى منازلهم في نهاية شهر آب (أغسطس) كأقصى حد، عشية عودة الموسم الدراسي. وبالطبع هذا غير قابل للتحقيق بالشروط الإسرائيلية المطروحة والتي تعجز إسرائيل عن تحقيقها بالتفاوض أو بالقتال. إسرائيل ترفض الربط بين جبهتَي غزة وجنوب لبنان بهذا الخصوص، فيما الربط بتعقيداته المتزايدة كما أشرنا قائم ومستمر ومتزايد.

سادساً: هناك ترقّب لخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الكونغرس الأميركي بمجلسَيه، يوم 24 من هذا الشهر، في وقت تعيش العلاقات الأميركية - الإسرائيلية بعض التوتر والبرودة الناتجة عن عدم تجاوب الرئيس الأميركي مع مطالب نتنياهو، ومن مظاهر ذلك ما تم تسريبُه من قرار صادر عن البيت الأبيض بإلغاء أو تأجيل الحوار الاستراتيجي الأميركي - الإسرائيلي حول إيران. الأمر الذي يدل على التوتر الحاصل حالياً بين القيادتين. نتنياهو يودّ أن يوجّه رسائلَ باتجاهات مختلفة من أمام الكونغرس؛ أولاً إلى الداخل الإسرائيلي لتعزيز موقفه أمام ازدياد الانتقادات له، سواء في الحكومة أو خارجها، وثانياً لتأكيد الخصوصية الاستراتيجية للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية رغم البرودة الحالية، وثالثاً في الرهان على أصدقائه وحلفائه الجمهوريين مع احتمال عودة «الحليف الخاص» دونالد ترمب إلى سدة الرئاسة، وما يحمله ذلك من إيجابيات على صعيد مستقبل العلاقات الإسرائيلية - الأميركية.

خلاصة القول، يبدو أنَّ درجة الحرارة هذا الصيف ستكون مرتفعة جداً وكثيرة السخونة، وحاملة لمزيد من «الحرائق»، إلى جانب تلك المنتشرة والقابلة للتوسع. فهل يستمر التصعيد أو يعود بعد انخفاض لفترة وجيزة تواكب ما تعتبره إسرائيل التخلصَ من أزمة رفح، من دون أن يعني ذلك إحكام السيطرة على القطاع وفرض استقرار ولو نسبياً هناك؟ هل يؤدي هذا التخفيض فيما لو حصل، إلى تخفيض على الجبهة اللبنانية يكون نتيجة ما يُبذل من جهود حالياً من الأطراف الغربية الناشطة بين طرفَي القتال مباشرة أو عبر الوسطاء والأصدقاء؟ جهود تعمل لبلورة ترتيبات أو تفاهمات مؤقتة ومرحلية لتخفيض الحرب الدائرة واحتوائها في إطار جغرافي وناري معين لا يسمح بالانزلاق إلى حرب واسعة. كل ذلك بانتظار صفقة كبرى لا ندري متى تتم أو إذا كان من الممكن التوصل إليها قبل مزيد من هذه الحرب المستمرة والمفتوحة على كافة الاحتمالات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أي احتمالات أمام حربَي غزة ولبنان أي احتمالات أمام حربَي غزة ولبنان



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib