اللف والدوران واللوع فى حواراتنا ١

اللف والدوران واللوع فى حواراتنا (١)

المغرب اليوم -

اللف والدوران واللوع فى حواراتنا ١

خالد منتصر
بقلم : خالد منتصر

علم اللوع الذى ذكره صلاح جاهين فى إحدى قصائده، يكاد يكون اختراعاً مصرياً بامتياز، فإذا استمعت إلى أى حوار بين اثنين من المصريين، سواء على مقهى بلدى أو على شاشة فضائية أو فى مدرج جامعى أو حتى فى قاعة مؤتمر علمى، تجده حواراً بين طرشان، والسبب ليس فى ضعف السمع، ولكنه فى ضعف المنطق، معظم حواراتنا لا تصل إلى نتيجة أو هدف أو تسهم فى تغيير أو تقدم، لأنها مليئة بالمغالطات المنطقية.

بحثت كثيراً عن كتاب يشرح لى هذه المغالطات المنطقية التى تسكن نخاع تفكيرنا كفيروس الإيدز، فيُفقدنا مناعة التحليل والتفنيد، لفهم المغالطات المنطقية، قرأت منذ سنوات كتاباً بديعاً يشخّص هذا المرض العضال بعنوان «المغالطات المنطقية» لعادل مصطفى، كتاب فلسفى جميل عن المنطق الذى يُحقّق فيه طلبة الثانوية درجات نهائية على الورق، أما فى الحياة فيحصلون على صفر الفشل الذريع، ويظل المصريون يفهمونه مثلما فهمه سعيد صالح فى «مدرسة المشاغبين» عندما فسر معناه بالواحد اللى بيقع ومايحطش منطق!

لا تُسقط رغباتك على الأشياء، ولا تجعل من أمانيك معياراً للحق، خذ البلاغة ولا تُؤخذ بها، وفرّق دائماً بين الخطابة والبرهان، تذوق لذة ونشوة السؤال!، قبل أن تدرس المنطق لا بد أن تضع هذه الكلمات نُصب عينيك.. هناك ثلاثون مغالطة منطقية شهيرة فى حواراتنا سنختار منها الواضح الصارخ، أولى هذه المغالطات المنطقية هى مغالطة المصادرة على المطلوب، ومعناها أنك تُسلم بالمسألة المطلوب البرهنة عليها من أجل البرهنة عليها! الجملة تحتاج إلى شرح: ببساطة أنت عندما تتحاور تفترض صحة القضية التى تريد أن تبرهن عليها، فتقول مثلاً «يجب إلغاء المواد غير المفيدة كالإنجليزية، لأننا نصرف فلوساً عَ الفاضى»!، أنت فرضت من البداية أن الإنجليزية غير مفيدة، وهذه مغالطة منطقية، لا بد أن نقول لحضرتك «ستوب» قبل أن تتوغل فى النقاش وكأنه قد حسم الأمر.

مغالطة أخرى شهيرة يقع معظمنا فيها، اسمها مغالطة المنشأ، فرغم أن سقراط قال: «اسمعوا الحقيقة ولو من شجرة بلوط»، ورغم أن قوة الفكرة فى المنطق الذى يزكيها، لا فى الأصل الذى ينميها، فى دليلها لا مصدرها، فإننا دائماً نصدّق الفكرة من وجاهة مصدرها، ونَمقُتها إذا كانت صادرة عن شخص نمقُته، ونخلط بين الموضوع والذات، وننسى أن الحجة تنهض على قدميها الخاصتين بها فقط! ودائماً نحن نقع فى فخ الاغتيال المعنوى للشخص، حتى نغتال فكرته، التى من الممكن جداً أن تكون صحيحة، فنقول هذا معارض، لأنه نشأ فى أسرة مفكّكة ومتزوج من امرأة متسلطة! أو نستنكر أن يلعب طفل بلعبة على هيئة خنزير، لأنه حيوان محرم علينا تناول لحمه.. إلخ.

التعميم مغالطة منطقية هى مصدر أمراض التعصّب والطائفية، فيكفى مثلاً أن نقول: «دمياطى أو منوفى أو دمنهورى»، حتى تستدعى إلى الذاكرة جميع أوصاف الذم من بخل وإنكار جميل وقسوة قلب لنلصقها بكل من يسكن هذه المدن أو يولد فى هذه المحافظات! وكذلك يكفى أن نذكر أتباع دين مختلف حتى تنهمر سلسلة الأوصاف المكروهة المنفّرة التى لو رأت عيباً فى فرد سحبته على المجموع!

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللف والدوران واللوع فى حواراتنا ١ اللف والدوران واللوع فى حواراتنا ١



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib