بقلم : خالد منتصر
هزّنى مشهد احتفال لاعبى نادى ليفربول مع مؤمن زكريا بالكأس، حقاً محمد صلاح له دور مهم فى هذا الاحتفال، لكن يبقى أن هؤلاء اللاعبين النجوم الذين يوزنون بالذهب فعلاً لا مجازاً، اهتموا بلاعب يعانى من مرض عضال، يفصلهم عنه بحر عميق وثقافة مختلفة وعقيدة مغايرة ولغة صعبة وظروف معقّدة، مسافة نفسية وهوة فكرية كبيرة، ولكن لأنهم يبجّلون الإنسان والإنسانية، رقصوا واحتفلوا بجد، لم يكن تمثيلاً أمام الكاميرات، مما أسعدنى أنهم يريدون إسعاد مؤمن بحق وحقيقى ومن قلوبهم، كتبت أثناءها أثناء الفرجة على الاحتفال بعد الماتش: «عندنا فيه ناس بتصادر الجنة، وكأنها عزبة أبوهم، لكن عندهم فيه ناس الجنة جوه صدورهم، ناس هما الجنة، ساكناهم مش ساكنينها، إيه الجمال والإنسانية والرقة دى؟ كلهم بيتفانوا إنهم يخلوا مريض يبتسم، لا سألوه عن ديانته ولا جنسيته ولا جنسه ولا لغته ولا لونه، المهم إنه إنسان محتاج حضن وطبطبة، المهم يبقى سعيد حتى ولو للحظات.
ماتتخانقوش ع الجنة، الجنة مش محتاجة صعودك وطلوعك، الجنة يا صديقى بين ضلوعك».
المال والشهرة والمجد لم تنسهم الإنسانية، هم من أوطان مختلفة، لكنهم جميعاً انصهروا فى حضارة الحداثة التى لا تشغل نفسها بأسئلة عقيمة من قبيل هل هذا الإنسان الذى أحتفى به سيصعد إلى الجنة أم سيصعد إلى النار؟ هل يستحق هذا الإنسان الترحّم والرحمة أم أصب عليه لعناتى لأنه مختلف؟ لم يسأل منهم داعية أو حاخام أو كاهن أو شيخ ويستأذنه قبل أن يترحّم عليه، لأنه لو قال له عكس ذلك فمن المؤكد أنه ليس الدين الذى من المفروض أن يعرفه، وأن ينفذ إلى جوهره، دين الضمير والإنسانية، إنه فى هذه الحالة سيكون دين المؤسسة أو دين البيزنس والسيطرة والتسلط، لأن الدين فى صورته النقية الأولى قبل التحول إلى مؤسسات وحراس فضيلة وسدنة معبد وحملة مباخر وباعة صكوك غفران وفدادين جنة وأبعاديات فردوس وعزب نعيم.. إلخ، إنهم اعتنقوا دين الإنسانية والبهجة والرحمة، أخطر ما يحدث فى فرقنا الرياضية منح التنافس صبغة دينية، وتفسير ما يحدث على أرض الملعب بتفسيرات ما وراء الطبيعة من أساطير، حتى وصلنا إلى مستويات من الهلاوس والضلالات بأن نُفسر هزيمة بأن حارس مرمى الفريق المنافس يقول تعاويذ أو يدفن عملاً بجانب العارضة أو أنهم قد أحضروا ساحراً لكى يدخل مرمانا أهدافاً أكثر.. إلخ، الفوز أو الهزيمة معيارها عندهم العرق والجهد، منتهى الجدية والصرامة فى الملعب، ومنتهى البهجة والشقاوة واللطف فى غرفة الملابس وفى الحفلات العامة، أتمنى أن تسود هذه الروح عندنا، فنحتفل ونحتفى بالمختلف، شكراً مو صلاح، شكراً ليفربول، شكراً إنجلترا التى أنجبت نيوتن وداروين ونصف العلماء الذين غيّروا وجه التاريخ والعلم، وشكراً للإنسانية