إنها لحظة للسلام قبل ورغم كل شيء

إنها لحظة للسلام قبل ورغم كل شيء

المغرب اليوم -

إنها لحظة للسلام قبل ورغم كل شيء

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

 

ما قبل مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على قناة «فوكس نيوز» ليس كما بعدها. جزئيتها الأهم، قوله إن «السعودية تقترب كل يوم من إقامة علاقات سلام مع إسرائيل». يصح هذا قبل الحرب التي بدأتها «حماس»، ويصح بعدها أيضاً، بل يصح تحديداً بسبب المعاني الاستراتيجية لهذه الحرب، بوصفها انقلاباً إيرانياً محكماً على مسار السلام في الشرق الأوسط، الذي، حين يحصل، سيكون الحدث الأهم في الشرق الأوسط، منذ نهاية الحرب الباردة، كما جاء في تصريحات الأمير محمد.

قد يبدو الحديث عن السلام غريباً في سياق الأحداث الزلزالية الجارية في المنطقة. بيد أنه في مثل هذه اللحظات بالتحديد يصير الحديث عن السلام أكثر إلحاحاً. فما نعيشه اليوم ولأسابيع وربما شهور مقبلة، ليس مجرد صراع داخلي بين طرفين؛ إنه انقلاب مكتمل الأوصاف ضد مسار السلام العربي - الإسرائيلي الشامل. وعليه، فإن معسكر السلام العربي أحوج ما يكون للوضوح الاستراتيجي والأخلاقي بشأن ما يمت لصناعة المستقبل العربي، ومستقبل المنطقة برمتها، بما فيها إسرائيل.

الحرب الدائرة، وعلى الرغم من الفوران العاطفي الذي ولّدته، نتيجة صلف واحدة من أسوأ الحكومات في تاريخ إسرائيل، هي دعوة أكيدة لإعادة إنتاج الماضي الذي جُرّب لعقود طويلة وما أنتج إلا سلسلة من المآسي والبؤس.

الموقف السياسي والنخبوي اليوم، عربياً وإسرائيلياً، لن يحدد النتيجة المباشرة للصراع الحالي فحسب، بل سيمهد الطريق أيضاً للمشهد الجيوسياسي في المنطقة لعقود آتية.

يستحضر الوضع الراهن ذكريات منتصف التسعينات، عندما رعت إيران سلسلة من التفجيرات الانتحارية داخل إسرائيل، ساهمت في تأجيج الخيارات اليمينية الإسرائيلية، وأدت في نهاية المطاف إلى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين وعموم عملية السلام. أنهى الاستثمار الإيراني في الانتحاريين الفلسطينيين وتعزيز الاتجاهات اليمينية داخل إسرائيل بشكل فعال، كل احتمالات السلام، ما مهد الطريق للانتفاضة الثانية وتبديد مداميك اتفاق أوسلو.

اليوم، كما في التسعينات، دفعت إيران غزة كلها إلى أكبر عملية انتحار جماعي لتحقيق الأهداف نفسها، على نطاق أوسع يطال نسف خيارات عربية محددة تسعى لأخذ المنطقة باتجاه مختلف عن رؤية نظام الملالي.

قبيل اندلاع الحرب، حذّر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي من أن «المراهنين على السلام يراهنون على حصان خاسر»، في حين ندد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأي محاولات للتطبيع مع إسرائيل ووصفها بـ«الرجعية». وإن كان التزامن بين هذا الخطاب الإيراني وحرب «حماس» يثير تساؤلات ملحّة حول الدور الذي لعبته إيران في قرار «حماس»، فإن الاتصالات التي أجراها رئيسي مع كل من رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، والأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» زياد النخالة، لا تترك مجالاً كثيراً للشك في أننا بإزاء كيان متعدد الأطراف يعمل بشكل متناسق ضمن رؤية استراتيجية محددة. أما لناحية الأهداف فقد كانت تصريحات رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، واضحة حين قال عن عملية «طوفان الأقصى»: «الجهود اليائسة مثل العرض السخيف لعملية التطبيع لن تتمكن من إبطاء انحدار وانهيار بيت العنكبوت هذا»، في إشارة إلى إسرائيل.

بهذا المعنى نحن وسط نزاع بين مشروعين متناقضين تماماً. الجديد أيضاً، أن مسارات السلام الحالية بين الدول العربية وإسرائيل، لا سيما الاتفاق الإبراهيمي، ومسار السلام السعودي المحتمل، تشكل نقلة نوعية في دبلوماسية الشرق الأوسط. فعلى عكس اتفاقيات السلام أو المبادرات السابقة التي تم التوصل إليها في كثير من الأحيان تحت تأثير أميركي وأوروبي كبير، فإن هذه الاتفاقيات الجديدة مدفوعة إلى حد كبير بالمصالح العضوية لأصحاب المصلحة الإقليميين أنفسهم. ولا يقتصر التركيز على المواقف السياسية أو تحقيق التوقعات الدولية فحسب، بل على المكاسب الاقتصادية المتبادلة، والتعاون التكنولوجي، والشراكات الأمنية، وتطوير خطوط التجارة وسلاسل الإمداد التي يراد لها أن تضع الشرق الأوسط برمته في قلب معادلة الاقتصاد الدولي، مع ومن دون النفط.

مسار السلام هذا، المتجذر في الديناميكيات والحاجات المحلية للدول المعنية فيه، يضفي على هذه المبادرات درجة من الأصالة والاستدامة غالباً ما كانت تفتقر إليها الجهود السابقة. وعليه، فإن إيران محقة في نظرها إلى هذا التطور، كنقطة تحول جذرية، باعتباره انعكاساً للمواقف المتغيرة داخل العالم العربي تجاه إسرائيل، لا مجرد استجابة لرؤى سلمية مفروضة من الخارج.

من المهم للفلسطينيين أن يفهموا، أن هذا الدافع الداخلي لمسارات السلام يمنحها مرونة أكبر في مواجهة عمليات المد والجزر الجيوسياسي التي أفسدت محاولات السلام السابقة.

السلام الذي تقوده دول محددة في المنطقة، وتواجهه إيران بأعتى ما تملك من مناورات حربية، ليس مجرد معاهدات سلام واتفاقات سياسية، بل إطار لنوع جديد من الشراكة الإقليمية، في مقدرات وإمكانات واستقرار المنطقة برمتها.

المصالحة السعودية - الإيرانية، وتجريب فتح الأبواب مع نظام الأسد، ومحاولة إيجاد حل سياسي لأزمة اليمن، وتركيز المملكة في حواراتها مع واشنطن على إحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية، وغيرها من المبادرات السياسية؛ تصب كلها عند دعوة الجميع للإفادة من اقتراح عربي جديد لشرق أوسط جديد واعد بالازدهار والاستقرار.

في مواجهة ذلك، اختارت إيران وحلفاؤها أن يكون ماضي المنطقة هو مستقبلها، بكل مآسيه وبؤسه. وفي هذا السياق، وحده الزمن سيكشف حجم الفرصة التي ضاعت على الفلسطينيين نتيجة هذه الحرب.

أما أصحاب المصلحة في السلام، من أهل الشرق الأوسط، فعليهم أن يمضوا قدماً بمن حضر وأحب.

الآن هو الوقت للالتزام الثابت بالسلام. أي شيء أقل من ذلك يمنح إيران فوزاً إقليمياً هائلاً سيعينها على رسم ملامح الشرق الأوسط وفق رؤيتها ومشروعها.

إنها لحظة فاصلة تتطلب أعلى درجات الوضوح الاستراتيجي والشجاعة الأخلاقية.

طالِبوا بالسلام اليوم، افرضوه غداً، حافظوا عليه للمستقبل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنها لحظة للسلام قبل ورغم كل شيء إنها لحظة للسلام قبل ورغم كل شيء



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib