«بريكس بلس» هل تلتقط واشنطن الرسالة

«بريكس بلس»... هل تلتقط واشنطن الرسالة؟

المغرب اليوم -

«بريكس بلس» هل تلتقط واشنطن الرسالة

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

لا تملك مجموعة «بريكس» عصا سحرية لتغيير توازنات القوة في العالم. بيد أن الإعلان في ختام قمة المجموعة في جوهانسبورغ عن انضمام 6 دول إلى النادي المؤلف من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، تعبير جديد يضاف إلى تعبيرات كثيرة أخرى عن التغييرات التي تطرأ على شكل العلاقات الدولية في عالم اليوم.       

صحيح أن هوية المجموعة تشكلت في الأصل على أسس اقتصادية استثمارية بوصفها أسواقاً ناشئة وواحدة من العلاجات المبتكرة للآثار الاقتصادية المهولة لأحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، إلا أنها اليوم تتطور باتجاه كيان جيوسياسي سيكون له كبير الأثر على توازنات العلاقات الدولية.

لنضع جانباً في البدء الأوهام الطوباوية عن أن المجموعة هي البديل السحري التام لنظام عالمي تقوده الولايات المتحدة. ولنتجاهل الدعوات المتسرعة لتشييع الدولار الأميركي بوصفه عملة الكوكب الرئيسية، وإن غير الوحيدة في سلة عملات متنوعة سيزيد استخدامها في الصفقات المتعلقة بالنفط والغاز.

فنحن إزاء كيان وليد مزنر بالتناقضات البنيوية السياسية والاقتصادية وبالهواجس المتبادلة والرهانات المختلفة لأعضائه.

الهند، على سبيل المثال لا الحصر، أكبر الأعضاء لناحية عدد السكان بعد تجاوزها الصين، شديدة الحساسية بشأن فرضية تحول «بريكس» إلى أداة جيوسياسية بيد غريمها/حليفها الصيني. وقد تعمد رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي أن يزور أميركا قبل قمة «بريكس» ليعود ويعلن في خطاب الاستقلال، قبلها أيضاً، أن بلاده صديقة العالم. وروسيا لم يستطع رئيسها الحضور، بسبب قلق جنوب أفريقيا من تداعيات العقوبات الأميركية على بلاده إن لم يفِ بالتزاماته الدولية وينفذ مذكرة الاعتقال الدولية بحق فلاديمير بوتين. هذا تذكير بحجم التأثير المستمر للشروط والقواعد الأميركية على العلاقات الدولية.

ولو تعمّقنا أكثر في طبيعة الأنظمة السياسية للأعضاء الحاليين والوافدين، فسنجد أننا إزاء خلطة عجيبة من النظم السياسية التي تتراوح بين الديمقراطيات والملكيات وما بينهما، وكذلك الحال بالنسبة لنماذجها الاقتصادية.

في المقابل تمتلك المجموعة سجل نجاحات لا يجوز إغفاله، أكان ذلك في تجربة بنك التنمية الجديد (NDB)، أو نجاحها في جمع 100 مليار دولار للإقراض الطارئ والموافقة على قروض بقيمة 33 مليار دولار تقريباً لمشروعات البنية التحتية. كما يشار إلى نمو التجارة البينية بين الأعضاء الحاليين بنسبة 56 في المائة لتصل إلى 422 مليار دولار في الفترة من 2017 إلى 2022. في حين أن انضمام دول مثل السعودية والإمارات يرفد المجموعة بقدرات مالية واستراتيجية هائلة لناحية السيولة النقدية وسلاسل التوريد والبنية التحتية الصلبة والناعمة.

مع ذلك، فإن ظني أن الأثر السياسي، حتى إشعار آخر، على توازنات العلاقات الدولية، وزيادة جرعة الاستقلال في القرار الاستراتيجي للدول، وفرملة التفرد الأميركي نسبياً، هي الآثار الأهم لمجموعة «بريكس» بصيغتها الموسعة.

إذا أخذنا الهند وجنوب أفريقيا مثالين على المستوى العالمي، والسعودية والإمارات مثالين من الشرق الأوسط، فسنجد أننا أمام مفهوم جديد في السياسة الدولية يقوم على قاعدة «تعدد الانحياز»، أي التعامل مع كل من الولايات المتحدة والصين، فضلاً عن القوى الإقليمية والدولية الأخرى، وبناء مجموعة معقدة من التقاطعات والتوافقات معها. يحل هذا الملمح، لدى معظم الدول، مكان ما عُرف سابقاً بمدرسة «عدم الانحياز» أو «الانحياز التام» أي التمترس في معسكرات متقابلة كما كان الأمر إبان الحرب الباردة وبعدها.

فعلى الرغم من لائحة الهواجس الهندية الطويلة إزاء الصين، لا سيما ما يتصل منها بالنزاعات الحدودية بين البلدين، نرى الهند تستخدم اليوان الصيني في مدفوعات النفط. وتسعى الهند لجذب استثمارات صينية في قطاعات التكنولوجيا والأدوية الهندية، إضافة إلى تعاونها العميق مع الصين في المنتديات الإقليمية كمنظمة شنغهاي، على سبيل المثال لا الحصر. وإذ تستضيف نيودلهي قمة العشرين الشهر المقبل فإنها تؤكد على ملمح «تعدد الانحياز» الذي تعد الهند اليوم أبرز نجومه.

كما الهند، فإن السعودية والإمارات، بوصفهما عضوين جديدين، في مجموعة «بريكس»، منخرطتان في لعبة «التوازن الناعم» بغية تنويع قاعدة علاقاتهما الدولية وتجنُّب الدخول الصريح في تحالفات حصرية في لعبة التضاد بين واشنطن وبكين.

وإذا استثنينا روسيا وإيران بشكل رئيسي، سنلاحظ أنه وعلى الرغم من بعض الضجيج الإعلامي، فإن استراتيجية «تعدد الانحيازات»، تخلو بشكل كبير من المضمون اليساري المناهض لأميركا الذي ساد خلال الحرب الباردة. كما تخلو من المضامين التبسيطية لفكرة «عدم الانحياز» التي تبنتها دول مستقلة حديثاً في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية سياسة لتبقى خارج لعبة التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

المختلف اليوم أن «تعدد الانحيازات» لا يتعلق غالباً بالمقاومة الآيديولوجية أو أوهام الاكتفاء الذاتي، بل بتعزيز البراغماتية عند الحكام ومدهم بمقدار أكبر من المرونة الاستراتيجية. والأهم أنها مدرسة تعترف بالترابط بين دول العالم اقتصادياً وسياسياً وبيئياً ووبائياً، بل وتراهن على الاستفادة من هذا الترابط لتحقيق الأهداف الوطنية، يحصل هذا الأمر بسرعات تفوق توقعات المراقبين والمسؤولين.

أعطت جائحة «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية جرعات دفع غير متوقعة لهذا الملمح الناشئ في العلاقات الدولية، الذي تسعى الدول من خلاله إلى تكبير حجم الاستقلال الاستراتيجي في التعامل مع مراكز القوى المتعددة، وبالتالي تعظيم الفرص وتقليل المخاطر.

دخل العالم عملياً في مرحلة ما بعد تعدد الأقطاب، التي تفترض هي الأخرى معسكرات متقابلة يرأسها أقطاب متنافسون. ما نشهده هو نمو المزيد من السيولة في التحالفات التي تستعدي، بسبب تعقيداتها، المزيد من الابتكار الدبلوماسي، بدل الركون إلى آليات التعامل الماضية. إن النجاح في منع هذا الملمح المتنامي من التحول إلى مشهد فوضى في العلاقات الدولية، دونه فهم أكثر تطوراً لسلوك الدول ومصالحها الاستراتيجية، لا سيما عند كبار اللاعبين وعلى رأسهم الولايات المتحدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بريكس بلس» هل تلتقط واشنطن الرسالة «بريكس بلس» هل تلتقط واشنطن الرسالة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib