لبنان لنعثر على الجمهورية قبل رئيسها

لبنان... لنعثر على الجمهورية قبل رئيسها

المغرب اليوم -

لبنان لنعثر على الجمهورية قبل رئيسها

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

تشبه التصريحات السياسية اللبنانية، قراءة الطالع والتنجيم، اللذين يزدهران في لبنان ازدهاراً غير مسبوق، عادة ما يبلغ ذروته ليلة رأس السنة.
لا فارق جدياً بين ما يقوله منجمو الشاشات، وبين ما يقوله معظم القيادات السياسية عن الاستحقاقات المنتظرة، وأبرزها انتخاب رئيس للجمهورية. يضرب البعض موعداً لانتخاب الرئيس صوب الربيع المقبل، ويقول آخر إن الفراغ لن يستمر إلى ما بعد فصل الصيف، ويروح الجميع يبحثون في رزنامة الأحداث الدولية ويتفننون في ربط الاستحقاق الرئاسي المجمد، بأحداث آتية، تبدأ من تطورات الملف النووي الإيراني أو نتائج الحراك الشعبي المندلع هناك، وتعبر منحنيات الأزمة الأوكرانية وتحفل بما يُتصور أنه المستقبل الذي ترسمه فرنسا لنفسها ولأوروبا برمتها من بوابة الدور اللبناني.
والثابت عند كل قراء الفنجان اللبناني، أن «البلد لا يحتمل فراغاً أطول»! فظيعة هذه العبارة. فهي تنطوي أولاً على افتراض أن البلد حامل للفراغ الحالي، رغم كل مظاهر تجاوز طاقة التحمل التي يدل عليها الانهيار المستمر في قيمة العملة اللبنانية، ونزيف الهجرة، وارتفاع معدلات الجريمة، وتعطل مؤسسات الدولة، وفقدان الخدمات، وسيادة العفن في كل مفصل من مفاصل ما يعرِف الدولة أنها دولة. وتنطوي العبارة ثانياً على افتراض أنه بانتخاب رئيس للجمهورية، تُفرمل مسارات الانزلاق نحو أعماق جديدة من أعماق جهنم التي دخلها لبنان باعتراف رئيس جمهوريته السابق ميشال عون وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع.
ألم يحصل الانهيار في ظل امتلاء مقام الرئاسة لا في ظل فراغه؟ بل لا ظلم في القول إن الانهيار حصل تحديداً بسبب امتلاء المقام، كي لا نقول ابتلاء، بمن امتلأت به، على قاعدة تسوية سياسية أُريد لها أن تحفظ الأمن الاقتصادي والمعيشي للبنانيين، وتأجيل حفظ الأمن السياسي لهم في ظل عدم القدرة على معالجة ملف سلاح ميليشيا «حزب الله».
هل من البديهي مثلاً الافتراض أن أوضاع لبنان في ظل رئاسة عون، أفضل منها في ظل الفراغ الذي نتج عن نهاية عهده وفشل البرلمان في انتخاب رئيس؟ ليست هذه دعوة للفراغ كهدف بحد ذاته بالطبع. إنها دعوة للتواضع في استخدام المفردات السياسية في بلد لا تدل فيه الأسماء بالضرورة على مسمياتها. فلا الديمقراطية ديمقراطية، ولا الانتخابات انتخابات، ولا المعارضة معارضة ولا الموالاة موالاة، ولا الدستور دستور، ولا التغييريون تغييريون، ولا الثورة ثورة، ولا التسوية تسوية، ولا الحوار حوار، ولا أي مسمى هو ما يدل عليه اسمه.
هي بالضبط دعوة للتواضع أولاً في استخدام المفردات السياسية. ودعوة ثانياً للكف عن التكاذب في تعريف المشكلة التي يعاني منها لبنان. اللبنانيون ببساطة مدعوون للبحث عن الجمهورية قبل البحث عن رئيسها. مدعوون للبحث عن الدولة، بتعريفاتها البسيطة والأولية، حتى قبل الدخول في نقاش طبيعة نظامها السياسي أكان رئاسياً أم برلمانياً، ثنائي الحزبية أم متعدد الأحزاب!
لنتفق أولاً على ضرورة أن نتفق على التعريفات البديهية للدولة، التي بموجبها يمنح هذا الكيان أو ذاك عضويته في منظمة الأمم المتحدة. لنتفق أولاً أن لا دولة يمكن لها أن تقوم وتستمر في ظل حاكمية سلاح ميليشياوي غير شرعي، بات هو الميثاق والدستور والعرف والمراسيم، والمراسيم التنفيذية. لا وجه شبه بين ما كانه هذا السلاح بعد اتفاق الطائف، وما كانه الواقع الاستراتيجي في المنطقة عربياً ودولياً يومها، حين نجت نسبياً تجربة التعايش بين «المقاومة والإعمار»، وبين ما هو السلاح اليوم وما هو الواقع الاستراتيجي في المنطقة.
مع ذلك، ليس صعباً الإثبات أن التأسيس للانهيار الحالي بدأ منذ تلك التسوية، التي ارتضت التعايش مع سلاح غير شرعي، بحجة ما يسمى المقاومة، حتى إن حان الوقت قتل هذا السلاح شريكه في التسوية، وانقض على مصالح رعاتها من بيروت إلى صنعاء مروراً بدمشق وبغداد.
لا يجوز أن تستمر لعبة قراءة الفناجين كبديل موضوعي عن نفي السياسة، إن كان لا يزال هناك من يريد حقيقة الوصول إلى تسويات مستدامة في لبنان، تسمح بإعادة إنتاج مداميك الدولة.
بموجب ميزان القوى الحالي، لا رئيس في لبنان سينتخب، حتى الرئيس التوافقي، إلا عبر موافقة «حزب الله». وقد سبق لـ«حزب الله» في محطات لبنانية سابقة أن دخل في تسويات لا تتناسب مع شهواته للتسلط والتحكم، بل تتلاءم مع قراءته الناضجة معظم الأحيان لمصالحه ولاتجاهات الرياح. ومن الأمثلة على ذلك، أنه وحين بدأت ترتفع موجات التأييد الشعبي للتطرف الجهادي في الأوساط السنية اللبنانية، في خضم الحريق السوري، وتمدده بالسيارات المفخخة نحو ضاحية بيروت الجنوبية، أدرك الحزب أنه لا بد من تسوية مع السنة تشعرهم أنه يتراجع عن انقلابه على حكومة زعيمهم سعد الحريري، التي كان أطاحها مطلع عام 2011، ونصب مكانها حكومة اللون الواحد برئاسة نجيب ميقاتي، فكانت حكومة الرئيس تمام سلام.
يحترف «حزب الله» هذه اللعبة. وسيعيد إنتاج نسخ منها في الانتخابات الرئاسية، من دون أن يقود انتخاب رئيس جديد إلى أي تغيير جدي يذكر، يتجاوز الترقيع المالي والاقتصادي والخدماتي، إن حصل أي منه أصلاً.
والحال، فالمعركة ليست معركة إيجاد رئيس للجمهورية، بل معركة إيجاد الجمهورية نفسها، وهذا يتطلب خلق كتلة سياسية وشعبية، عنوان معركتها استعادة الجمهورية، والدولة، وأول شروط ذلك رفض التسوية مع السلاح. هل يسمح ميزان القوى بذلك؟ الجواب الآن لا، ما يعني أن البديل عن التسوية هو القول لـ«حزب الله» تفضل واحكم لبنان بالطريقة التي تراها مناسبة، بعد أن تحسم معركة الرئاسة بين مرشحيك سليمان فرنجية وجبران باسيل، وبعد خروج الرافضين لجمهورية السلاح من البرلمان.
إذا كان لبنان يغرق ولا بد، فليسحب حطام السفينة اللبنانية الغارقة، «حزب الله» معه، إلى عتمة الأعماق، وليبقَ على الشاطئ من بهم يمكن إعادة التنقيب عن البلاد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان لنعثر على الجمهورية قبل رئيسها لبنان لنعثر على الجمهورية قبل رئيسها



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib