رد أميركي خدم الإيرانيين

رد أميركي خدم الإيرانيين

المغرب اليوم -

رد أميركي خدم الإيرانيين

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

لو أن إيران نفسها هي من نصح الأميركيين بكيفية الرد على هجمات «حزب الله العراق» على قاعدة «البرج 22» الأميركية ومقتل ثلاثة جنود في الأردن، لَمَا جاء شكل الرد الأميركي مناسباً للإيرانيين أكثر.

صحيحٌ أن استهداف وكلاء إيران في سوريا والعراق، كما حصل، كان هو الأرجح، إلا أن ما سبقه وما تلاه من تصريحات أميركية تفيد بأن واشنطن لا تريد حرباً مع إيران، جاء بمثابة هدية للأخيرة، تؤكد لها أنْ لا تغيير في النهج الذي تتبناه الولايات المتحدة، وهو التركيز على الاشتباك مع وكلاء طهران، بدلاً من الانخراط العسكري المباشر معها.

يحق لواشنطن طبعاً أن تراهن على أن استراتيجيتها تضمن الحد من التصعيد في الشرق الأوسط، وتجنب زعزعة الاستقرار الإقليمي على نحو قد يعجّل بالصراع المباشر مع إيران. بيد أن هذا الرهان يقفز فوق سؤال رئيسي هو: ماذا تريد إيران بالفعل؟

والأهم من ذلك أن هذا الرهان يقفز فوق ما يُفترض أنها مصالح مشتركة بين أميركا وحلفائها في المنطقة، العرب وغير العرب، بحيث إن ما يضرهم يجب أن يعنيها حتى وإن كان لا يمس أمنها ومصالحها المباشرين.

الرهان على الحد من التصعيد وتجنب زعزعة الاستقرار، يتجاهل أن السياسة الخارجية الإيرانية تعكس رغبة واضحة في الهيمنة الإقليمية، وإقامة عمق استراتيجي في جميع أنحاء الشرق الأوسط عبر الميليشيات والوكلاء، مدفوعةً بحزمة اعتبارات أمنية ودوافع آيديولوجية معقدة. فلعبة إيران في الشرق الأوسط لعبة محسوبة، إذ تهدف، عبر هذه الميليشيات، إلى تعزيز مكانتها في المنطقة، وفرض نفسها لاعباً رئيسياً في الملفات الإقليمية السياسية والأمنية والعسكرية، في مواجهة منافسيها الخليجيين أولاً ثم إسرائيل والولايات المتحدة. كما أن دعمها وكلاءها يعزِّز صورتها في الداخل بوصفها حامية للمسلمين عموماً وللشيعة خصوصاً، ويُعينها على تظهير نفسها قائدةَ المعسكر المناهض للنفوذ الغربي.

إلى ذلك، يمنح توظيف إيران الوكلاء نفوذاً في علاقتها مع الدول الأخرى، كالعراق وسوريا ولبنان واليمن، ويوفر لها منصة للحصول على مزايا سياسية واقتصادية، تبدد ولو جزئياً مفاعيل العقوبات الغربية عليها، وتُظهرها بمظهر الدولة الرابحة في المواجهة السياسية والدبلوماسية مع أميركا.

أضف إلى ذلك أن إيران، عبر وجود هذه الميليشيات في البلدان المجاورة، تنشئ لنفسها منطقة عازلة تحميها من تهديدات خصومها وتُبقي المعارك ضدها خارج حدودها.

وعليه يتنافى السعي للحد من التصعيد وتجنب زعزعة الاستقرار، مع الأهداف الإيرانية المعلنة، حتى لو افترضنا أن أميركا تريد بصدق تحقيق هذين الأمرين.

حقيقة الأمر أن ضربات كالضربات الأخيرة التي تَعرَّض لها وكلاء إيران رداً على رعاية إيران المباشرة لهجمات دموية ضد الأميركيين، تصب في مصلحة إيران مباشرةً، وتعزز سرديتين تبدوان متناقضتين ولكنهما متكاملتين في الواقع.

1- بعد هذه الضربات المشوبة بالكثير من الحذر والحسابات، يمكن لإيران التباهي بسرديتها عن قوتها التي لا تُهزم وخوف خصومها منها.

2- لهذه الضربات دور في تعزيز الفهم المؤامراتي لأحوال العالم، كالقول إن إيران وأميركا متفقتان تحت الطاولة ضد مصالح دول المنطقة.

في الحالتين، لا يبدو أن ثمة حدوداً لمقدار الفائدة التي بوسع نظام الملالي جنيها، إن كان لحساب تعزيز الخطاب الآيديولوجي المناهض للاستعمار والغرب أو لحساب تحقيق مصالح استراتيجية عملية على رأسها الإمعان في إضعاف الدول التي تحتضن هذه الميليشيات وتيئيس شعوبها وإداراتها نتيجة السيادة المنقوصة والكرامة الوطنية المهدورة وإقناعها بأنها فعلاً ضحية دائمة لتقاطعات السياسة الدولية.

على خلاف السذاجة الأميركية التي ينمّ عنها الرد على ميليشيات إيران، أظهرت إيران براعة استثنائية في التعامل مع هذه اللحظة. فقد أوعزت لوكلائها بأن يعلنوا وقف هجماتهم ضد المصالح الأميركية، كما جاء في نص بيان «حزب الله العراق»، في الوقت نفسه الذي قادت فيه حملة دعائية لتأكيد استقلال هذه الميليشيات! فكيف يكون الطرف الذي فرض وقف الهجمات بريئاً من قرار شن الهجمات أصلاً؟

يوضح هذا السيناريو مدى تعقيد الحرب بالوكالة التي تخوضها إيران، حيث تكون المسؤولية المباشرة مكسوَّة بالغشاوة بشكل متعمَّد. ويجدر التنبه إلى أن استراتيجية إيران هذه لا تهدف إلى الحفاظ على مقدار معقول من الإنكار فحسب، بل تسعى أيضاً إلى إبراز صورة من ضبط النفس والعقلانية في مواجهة ما تصورها على أنه تصرفات أميركية عدوانية. وليس خافياً أن لمثل هذه الرواية الكثير من الصدى في سياق عالمي يزداد فيه التشكيك في مبررات وشرعية التدخلات العسكرية الأميركية على المسرح الدولي.

الرد الأميركي الباهت على رعاية إيران المباشرة لهجمات وكلائها، يُفصح عن قصور خطير في فهم تصرفات إيران المدفوعة بالرغبة في الهيمنة الإقليمية، والنفوذ الآيديولوجي، والتزامها بتعزيز مصالحها بالتوازي مع خفض مخاطر المواجهة المباشرة مع أميركا.

في المحصلة النهائية، أهدت أميركا إيران ما تريده، بل شجعتها على مزيد من الاستفزاز، كما ظهر في تصرفات ميليشيا الحوثي وبعض الميليشيات العراقية بعد القصف الأميركي.

وحدها الضربات الأكثر جدية، من النوع الذي يضع الهيبة الإيرانية المباشرة على المحكّ، هي ما يمكن أن يردع إيران، ويشجع الحلفاء على أن يكونوا في صف واحد مع أميركا. كل ما عدا ذلك هي وصفة لعدم الاستقرار ورافد لرفع مستويات التصعيد، ولو كان العكس هو المقصود.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رد أميركي خدم الإيرانيين رد أميركي خدم الإيرانيين



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib