مازوت النصر أم الهزيمة

مازوت النصر أم الهزيمة؟

المغرب اليوم -

مازوت النصر أم الهزيمة

نديم قطيش
نديم قطيش

أسعدني خبر دخول صهاريج نقل المازوت الإيراني من سوريا إلى لبنان. أسعدتني أكثر الاحتفالات المرافقة لها بإطلاق الرصاص والقذائف الصاروخية، ومواكبتها بشعارات وأعلام وصور لكبار قادة محور «الحرس الثوري» في المنطقة... فأن تبث قافلة تهريب المازوت الإيراني في نفوس جمهور ميليشيا «حزب الله» هذا الشعور بالنصر، وأن ترفع صور علي خامنئي وحسن نصر الله ورايات إيران و«حزب الله» ولافتات «الفتح المبين» على وحول الشاحنات، فهذا دليل هزيمة لا دليل انتصار... أن يتحدر سقف الإنجاز في مواجهة «الاستكبار العالمي» من إسقاط الهيمنة الأميركية وإنهاء إسرائيل في سبع دقائق ونصف والصلاة في القدس، إلى تهريب قافلة مازوت إيراني إلى لبنان، فهذا دليل هزيمة لا دليل انتصار.

أولاً أن تصل أحوال بلد ما؛ أي بلد كان، إلى حدود الحاجة الماسة لتهريب المحروقات، فهذا بلد مهزوم.

لقد «كسر» «حزب الله» حصاراً غير موجود؛ إذ إنه لو قيض للبنان أن يدفع بسعر السوق ثمن المازوت الذي يحتاجه اللبنانيون لتوفر مئات الباعة ممن سفنهم أصلاً مركونة في عرض البحر. لم يكن هناك قرار بمنع المازوت عن اللبنانيين... بل إن آلية دعم المازوت والمحروقات من قبل الحكومة اللبنانية تلزم تجار المحروقات ببيعه بسعر محدد مدعوم، في حين أن الدعم لا يصل إلى التجار الذين عليهم أن يشتروا بدولار ثمين وأن يقبضوا بالعملة المحلية المنهارة... ما فعلته ميليشيا «حزب الله» أنها اشترت من إيران بالعملة اللبنانية وفي أحسن الأحوال وفق تسعيرة مخفضة نسبياً للدولار مقابل الليرة (النفط مشتقاته تسعر بالدولار)، تضاف إليها خصومات على ثمن شحنة المازوت نفسها. أي إن إيران حملت على ظهرها بعضاً من تكلفة الدعم الذي كانت توفره الدولة اللبنانية، وهو ما لا طاقة لإيران بتكراره أو الاستمرار فيه... لكنها مناورة كانت كافية لأن يسجل «حزب الله» حملة علاقات عامة وحفلة انتصارية ضخمة...

بهذا المعنى نعم... انتصر «حزب الله» على اللبنانيين لا أكثر ولا أقل... وهو منذ مدة طويلة يسجل انتصاراته عليهم... في حرب يوليو (تموز) 2006 مع إسرائيل انتصر عليهم بأن غير المناخ اللبناني السياسي والاجتماعي برمته بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانتفاضة 14 مارس (آذار) 2005 وإجبار الأسد على سحب جيشه من لبنان في أبريل (نيسان) 2005، وفي الاعتصام المديد في قلب بيروت النابض، انتصر عليهم بأن دمر الوسط التجاري لمدينة بيروت، ثم استكمل انتصاره عليهم في السابع من مايو (أيار) 2008 حين اجتاحت ميليشياه بيروت وجبل لبنان. وانتصر عليهم بفرض «اتفاق الدوحة 2008» الذي وضع معايير غير دستورية لتقاسم السلطة. وانتصر عليهم بتعطيل نتائج الانتخابات بعد عامي 2005 و2009 وإجبار الأغلبية البرلمانية على تشكيل حكوماته أو حكومات يرضى عنها ويمسك بقرارها. وانتصر عليهم بتصفية النخبة السياسية منذ محاولة اغتيال مروان حمادة خريف عام 2004، وصولاً إلى اغتيال لقمان سليم عام 2020، وبينهما أمّ الاغتيالات في فبراير (شباط) 2005، وشطب رفيق الحريري من المعادلة اللبنانية. وانتصر عليهم بإيصال ميشال عون إلى سدة الرئاسة ليكتمل «عقد جهنم» بالانهيار الخرافي الذي يمر به لبنان...
قافلة المازوت الإيراني فصل يضاف إلى فصول سيرة الانتصارات هذه، على اللبنانيين، الذين لا يحتاج الانتصار عليهم إلى كثير من الجهد... أما انتحال صفة الانتصار على أميركا، لبيع هذا الوهم لجمهوره فهو مدعاة سخرية يجب ألا تمر مرور الكرام، وألا يسمح لها بإغراق اللبنانيين في مزيد من اليأس، أو مساعدة «حزب الله» وجمهوره على تصديق نشوة النصر التي يعيشونها ويعبرون عنها...لنتذكر أن نصر الله خطب بكل ما أوتي من عتوّ، في يونيو (حزيران) الماضي، في عز أزمة المحروقات، أن حزبه سيفاوض إيران وسيأتي منها بالمازوت والبنزين (حتى الآن أتى فقط بالمازوت)، وتحدّى الدولة اللبنانية أن تمنعه من استقدام البواخر عبر مرفأ بيروت، رغم أنه وحلفاءه يسيطرون على هذه الدولة وبيدهم وزارة الطاقة (والحكومة) والأغلبية البرلمانية.

بيد أن الرجل ما لبث أن تراجع عن هذا التحدي الفاقع، حين أحس بـ«السخن» الأميركي، فعاد وخطب يقول إن البواخر ستأتي إلى مرفأ بانياس السوري وتنقل حمولتها من هناك براً للحيلولة دون «إحراج» الدولة اللبنانية وتعرضها لـ«عقوبات». طبعاً لم ينتبه إلى أن كلامه الأول أحرج الدولة اللبنانية، بتحديها علناً...

بمعنى أبسط؛ رضخ نصر الله لشروط أميركا، والتزم بما تسمح له به واشنطن، وهو ما يجعل من كسر الحصار الأميركي أضحوكة، حيث إن عشرات السفن الإيرانية وصلت سابقاً منذ عام 2011 إلى سوريا وفق آلية التهريب نفسها، التي اعتمدت مع سوريا ولاحقاً مع فنزويلا...

هدد اللبنانيين وتشاوف عليهم، ثم رضخ للأميركيين، من دون أن يمنعه ذلك من المضي قدماً بدعاية الانتصار.

ولتكتمل صورة المهزلة التي يختصرها واقع ميليشيا «حزب الله»، ينبغي أن ننتبه إلى أنه، وفي ذروة الضجيج بشأن كسر الحصار الأميركي وتغيير المعادلات في المنطقة، كانت إيران نفسها تبحث عن طريقة للحصول على اللقاحات الأميركية المضادة لفيروس «كورونا».

كما نصر الله، وبالعتوّ إياه؛ حظر خامنئي استيراد اللقاحات المصنعة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، عادّاً أنه «لا ثقة بها». وفي تغريدة نشرت على الحساب الرسمي الناطق بالإنجليزية لخامنئي في موقع «تويتر»، قال إن «اللقاحات الأميركية والبريطانية غير مسموح لها بدخول البلاد»، مضيفاً: «لا ثقة بها (...) ربما يريدون تجربة اللقاح على دول أخرى». وإيران هي الدولة الأكثر تضرراً من الوباء في الشرق الأوسط.

ثم تراجع خامنئي بمثل ما تراجع نصر الله. وفيما كان أنصار ميليشيا «حزب الله» يحتفلون بهزيمة واشنطن على الطريق البرية بين سوريا ولبنان، كانت حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تمنح الموافقة لاستيراد لقاح «جونسون آند جونسون» الأميركي، مُسقطة المنع الذي يشبه التحريم الذي أطلقه خامنئي، ومبددة كثيراً من الهراء حول وجود لقاح إيراني أفضل من اللقاحات الغربية!
مرة جديدة؛ هي انتصارات تسجل على اللبنانيين وعلى الإيرانيين وغيرهم من الشعوب المقهورة باسم هزيمة الشيطان الأكبر والاستكبار العالمي، الذي من عنده يتسولون أسباب الحياة؛ أكانت لقاحاً أم عملة خضراء!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مازوت النصر أم الهزيمة مازوت النصر أم الهزيمة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib