الصراع بين مشروعين في الشرق الأوسط

الصراع بين مشروعين في الشرق الأوسط

المغرب اليوم -

الصراع بين مشروعين في الشرق الأوسط

نديم قطيش
نديم قطيش

تحالف صعب يشق طريقه إلى واجهة الشرق الأوسط الجديد تقوده تركيا وإيران. الاجتماع السادس للمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، الذي انعقد عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، الأسبوع الفائت، كان الخطوة الأحدث في بحث الدولتين عن ترتيب جبهة تخدم مصالحهما الاستراتيجية، وتعالج أزماتهما المتشابهة، الممتدة من الأمن إلى الاقتصاد إلى العزلة السياسية.

بيد أن ما نحن بإزائه يتجاوز في الواقع تحالف متضررين إلى محاولة جادة لفرز الدول في المنطقة بين مشروعين:

المشروع الآيديولوجي للإسلام السياسي بشقيه الشيعي بقيادة إيران، والسني بقيادة تركيا، ومشروع الدول الوطنية المتخففة من أثقال الآيديولوجيات، التي تتصدرها دول كمصر والإمارات والمملكة العربية السعودية.

تفسر ليبيا، كموضوع حديث لارتجال مساحة مشتركة بين إيران وتركيا، بعضاً من مرتكزات هذا الانقسام الجديد بين دول المنطقة. فالموقف الإيراني المعلن هو دعم حكومة فايز السراج الذي تدعمه تركيا، وتعترف الأمم المتحدة بحكومته، في مقابل دعم الإمارات ومصر والسعودية وفرنسا وروسيا لبرلمان طبرق والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. وفي الشق العسكري للتعاون الإيراني التركي في ليبيا كان لافتاً رصد سفينة إيرانية، في أبريل (نيسان) 2019، محملة بالأسلحة ومتجهة إلى ميناء مصراتة الليبي الذي تسيطر عليه ميليشيات مدعومة من تركيا.

صحيح أن ليبيا مهمة لإيران كبوابة رئيسية على أفريقيا، ومساحة للعب بالمزيد من ملفات التناقض العربي، كملف الأمازيغ في مقابل العرب في شمال القارة، إلا أن الموقف الإيراني في ليبيا نابع في الأساس من الالتقاء مع تركيا حول الخصم المشترك، وهو المحور العربي السعودي المصري الإماراتي.

وفي هذا السياق، لفت تقرير لموقع «جادة إيران»، المتخصص في الشأن الإيراني، إلى أن طهران في طريقها لتشكيل حلف إقليمي مع تركيا لمواجهة آخر تقوده السعودية والإمارات، بدافع من التغيرات الإقليمية التي طرأت مؤخراً، في إشارة لاتفاقي السلام بين الإمارات والبحرين من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.

وكان سبق لممثل حركة «حماس» خالد القدومي، أن لمَّح إلى أن حكومات تركيا وإيران وقطر قد تبرم اتفاقية سياسية واقتصادية، في تصريحات لصحيفة «طهران تايمز» الإيرانية. وهنا بيت القصيد.

الأدلة على محاولات بناء جبهة عريضة للمشروع الآيديولوجي للإسلام السياسي (ولاية الفقيه هي إخوان الشيعة عملياً) في مقابل الدول الوطنية مكتوبة على الجدران.
فحين انتقلت موجة «الربيع العربي» من تونس إلى مصر، سارع علي خامنئي لوصف ما يحصل بأنه «ربيع إسلامي»، مراهناً ضمناً على وصول «الإخوان» إلى الحكم. وكانت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، إلى القاهرة، في فبراير (شباط) 2013 كأول زيارة يقوم بها رئيس إيراني للبلاد منذ نحو 34 عاماً، للقاء الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي التعبير العلني السياسي عن هذا التلاقي لقطبي الإسلام السياسي.

يتزامن هذا التلاقي بين أركان مشروع الإسلام السياسي مع محاولات حثيثة لتجريد الدول الوطنية من مشروعياتها الإسلامية، تماماً كما كانت آيديولوجيا القومية العربية منصة للطعن في لا شرعية «الأقطار» الوطنية، أو إضعاف شرعياتها لصالح الوعاء الآيديولوجي العربي الأوسع.

من الأمثلة على ذلك التقاء إيران وتركيا على دعم تكوين «منبر الدول الإسلامية» في كولالمبور كمحاولة لإحلاله مكان «منظمة التعاون الإسلامي» التي تتمتع فيها الرياض بنفوذ جاد ومقرها في جدة.

اللافت يومذاك أن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، الذي لعب دوراً مركزياً في الدفع لعقد هذا الاجتماع، ما لبث أن امتنع عن الحضور في اللحظة الأخيرة.
بيد أن محاولات توسعة قوس دول الإسلام السياسي في مواجهة الدول الوطنية، لا سيما العربية، لم تتوقف، وهو ما ينبئ به الغزل المتصاعد بين إردوغان وعمران خان، وآخر الإشارات عليه تصريحات للرئيس التركي رجب طيب إردوغان إيجاد حل لقضية كشمير «بما يلبي تطلعات شعب كشمير»، مشيراً إلى «الأهمية المحورية لهذه القضية من أجل الاستقرار والسلام في جنوب آسيا»، ومنتقداً «إلغاء السلطات الهندية الوضع الخاص لإقليم (جامو وكشمير) والخطوات التي أعقب ذلك» بوصفها خطوات «أدت إلى مزيد من التعقيد في هذه القضية». وكان خان هنأ إردوغان بمناسبة إعادة فتح «آيا صوفيا» للصلاة، ووصف إقامة أول صلاة منذ 86 عاماً في مسجد «آيا صوفيا» بـ«التاريخي».

ومن أمارات الاختراق التركي للوعي الباكستاني على أسس عقائدية إسلامية وإمبريالية، ما تظهره بيانات موقع «غوغل» من أن وتيرة عمليات البحث عن كلمة «عثماني» في باكستان ارتفعت بشكل حاد هذا العام، وهو ما يُعزى بجزء كبير منه إلى الشعبية الهائلة التي يحظى بها في باكستان المسلسل التلفزيوني التركي التاريخي الخيالي «أرطغل»، والد السلطان عثمان الأول، مؤسس الدول العثمانية، الذي لا يعرف الكثير عن حياته وأنشطته.

وبموازاة ذلك تجتهد إيران لتعزيز علاقاتها بإسلام آباد، مستفيدة من كل حدث، لا سيما في حقل المواقف «الإنسانية» التي لا تكلف إيران أكثر من الكلام، ومستندة إلى تاريخ مديد، ولو متقطع، من العلاقات الاستراتيجية الإيرانية الباكستانية، قبل الثورة الإيرانية، وبعدها، وقبل الحرب الباردة، وبعدها، وخلال الحرب العراقية الإيرانية، وبعدها، وحتى يومنا هذا. ويبدو لي أن المحرك الأساس لهذه العلاقات في صيغتها الراهنة هو محاولة محاصرة الرياض وعموم محور الرياض - القاهرة - أبوظبي، كأولوية تعلو على أي أولويات أخرى.
لا ينبغي التقليل بالطبع من التحديات التي تواجه هذا الطموح لتركيب محور دول الإسلام السياسي، لا سيما بين تركيا وإيران، وخلافاتهما المعلنة في الملف السوري، أو المكتومة في الملف النووي، ولا فيما يتعلق بحسابات خاصة لدول كباكستان، التي تتمتع بعلاقات تاريخية استراتيجية مع السعودية والإمارات.

بيد أن ما يطغى على كل التحديات التي تعترض تكون واستقرار هذا المحور، هو التلاقي الاستراتيجي بين أجنحة محور الإسلام السياسي في مواجهة محور الدول الوطنية، كمحورين وكاقتراحين متناقضين لمستقبل المنطقة.

ففيما تحاول الدول الوطنية إدارة مصالحها، بالاستناد إلى محددات واقعية عملية، تعتمد دول الإسلام السياسي محددات آيديولوجية صارمة.

وفيما تبدو الدول الوطنية مشدودة نحو المستقبل، بكل تحدياته العملية، في الاقتصاد والعلم والصحة والأمن، تبدو الدول الآيديولوجية مشدودة أكثر نحو التاريخ بحثاً في خرائطه، وحقبه، ومثالاته عن أمجاد يُراد إعادة تكوينها، ولو بالحديد والنار!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصراع بين مشروعين في الشرق الأوسط الصراع بين مشروعين في الشرق الأوسط



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib