الحج وتأصيل التسامح

الحج وتأصيل التسامح

المغرب اليوم -

الحج وتأصيل التسامح

عماد الدين حسين
بقلم - عماد الدين حسين

الحمد لله أديت فريضة الحج هذا العام. وقد حرصت على التجوال في كل أماكن المناسك والشعائر من أول الحرم المكي حينما أديت عمرة التمتع بمجرد الوصول، ثم الوقوف بعرفات والصعود لجبل الرحمة، والمرور بالمزدلفة، ومنها العودة للحرم المكي لطواف الإفاضة ثم الذهاب لمنى لرمي الجمرات ثم طواف الوداع في الحرم المكي.

وخلال هذه الفترة التي امتدت أسبوعاً كاملاً، رصدت العديد من المؤشرات الإيجابية لهذا الركن الخامس من أركان الإسلام، الذي يجعل الجميع سواسية ويظهر المسلمين في أبهى صورة ممكنة.

جوهر الدين الإسلامي هو التسامح والتكافل والتواضع والعفو والمغفرة والتضامن ومساعدة الغير.

حينما رأيت كل هذه الصفات متجسدة في حجاج بيت الله الحرام الذين اقترب عددهم من ٢.٥ مليون حاج، سألت نفسي، إذا كان ذلك هو جوهر الدين العظيم، فكيف سعت قلة من المتطرفين إلى تشويه جزء من صورة الإسلام والمسلمين في الكثير من بقاع العالم؟

غالبية المسلمين الذين رأيتهم خلال أداء شعائر الحج كانوا مثاليين في سلوكياتهم، لا فرق بين أبيض وأسود، بين عربي وعجمي، بين أفريقي وأوروبي، بين غني وفقير، الجميع سواسية خلال الصلاة والطواف ورمي الجمرات والوقوف على عرفات.

إذا كان هذا هو الواقع، فكيف سعت مجموعات قليلة تدعي أنها مسلمة إلى تشويه هذا الدين الحنيف؟

للأسف الشديد فإن ما فعلته بعض التنظيمات المتطرفة باختلاف أسمائها، قد أساء كثيراً إلى صورة الإسلام والمسلمين، وجعل البعض يعتقد زوراً وبهتاناً أن تلك هي الصورة الفعلية للإسلام والمسلمين.

هل نلوم غير المسلمين على هذا الاعتقاد أم نلوم المتطرفين الذين كانوا السبب الأساسي في هذا الانطباع الظالم؟

بالطبع اللوم كله يقع على عاتق المتطرفين، فغير المسلم خصوصاً المقيم في بلدان غير إسلامية يتعرف على الإسلام من خلال سلوكيات المسلمين الذين يعرفهم أو يتابع سلوكياتهم من خلال الأخبار.

وحينما احتلت التنظيمات المتطرفة مساحات واسعة من العراق وسوريا وليبيا بعد ٢٠١١، ارتكبت فظاعات لا يمكن تخيلها، مثل حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة في سوريا أو اغتصاب الأزيديات في العراق، أو ذبح عشرات الأقباط المصريين في ليبيا، وبث كل هذه الصور على الهواء. ولا يمكن أن ننسى ما فعله المتطرفون في نيجيريا من خطف للفتيات الصغيرات أو حرق قرى كاملة ببشرها ومواشيها وزراعاتها.

ولا ننسى أيضاً ما فعلته الخلايا النائمة من المتطرفين من عمليات قتل ودهس وطعن في مدن أوروبية مختلفة.

كل هذه الفظاعات تسببت في تعريض صورة المسلمين للتشويه. الأجنبي عموماً والأوروبي خصوصاً، الذي شاهد هذه الفظاعات اعتبرها هي جوهر الإسلام. بالطبع هو لن يقوم بقراءة وفهم القرآن أو معرفة كيف يفكر غالبية المسلمين، بل حكم على الإسلام من خلال هذه الأفعال الوحشية، والنتيجة أن تنظيمات صغيرة جداً، لكنها لا إنسانية بالمرة تمكنت من الإساءة للإسلام والمسلمين.

أعود مرة أخرى إلى ما بدأت به، وأسأل: لماذا لا نحاول نحن عموم المسلمين في توصيل هذه الصورة الصحيحة للإسلام والمسلمين من خلال حجاج بيت الله، وسلوكياتهم الصحيحة والسليمة والمعبرة فعلاً عن جوهر هذا الدين المتسامح؟

أتمنى أن تلعب غالبية وسائل الإعلام العربية سواء أكانت رسمية أم خاصة، تقليدية أم وسائل التواصل الاجتماعي دوراً في نشر وتعميم الصورة الصحيحة للإسلام، سواء للشباب العربي والمسلم أم - وهذا هو الأهم - لغير المسلمين.

لو أن وسائل الإعلام و«السوشيال ميديا» ركزت على القصص الإنسانية العظيمة في الحج، خصوصاً تلك التي تظهر مثالية المسلمين وتوادهم وتراحمهم وتعاونهم وتكافلهم، فقد نتمكن من تغيير العديد من الصور السلبية عن المسلمين خصوصاً ما فعله المتطرفون.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحج وتأصيل التسامح الحج وتأصيل التسامح



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib