إستشرافات هاس ومستقبل النظام الليبرالي

إستشرافات هاس ومستقبل النظام الليبرالي

المغرب اليوم -

إستشرافات هاس ومستقبل النظام الليبرالي

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

هل الحديث عن إخفاقات النظام الليبرالي العالمي مرده الأزمة الروسية – الأوكرانية الأخيرة، والقصور الغربي الواضح، في مواجهة أبعاد الأزمة ، والتصدي لما تراه دوائر واشنطن وبروكسيل من الإنتلجنسيا وكبار العقول، أطماع روسيا – بوتين؟

لعل ما أشعل أوار الحديث عن إخفاقات الليبرالية العالمية، مؤلف المفكر الأمريكي، الياباني الأصل، فرنسيس فوكاياما، والمعنون "الليبرالية وإخفاقاتها "، وفيه يشرح وربما يجرح ، ما آلت إليه شؤون الغرب وشجونه، من جراء الإنجرار الكبير وراء الطروحات الليبرالية، والتي بدت مؤخرا جافة وكأنها تكلست وتحجرت من وراء إنسداد تاريخي، رأى فيه فوكاياما من قبله أنه نهاية التاريخ، مصادرا على حركة الحياة وجدلية النوع البشري، قبل أن يعود عن رأيه مؤخرا.
على أن الموضوعية والموثوقية تقتضي الإشارة إلى أن الحديث عن أزمات الليبرالية سابق لغزو بوتين لأوكرانيا، ففي مايو آيار من عام 2011، أصدر المنظر السياسي الأمريكي الشهير، ريتشارد هاس، والدبلوماسي القريب من البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، كتابه المعنون The World: A Brief Introduction أو "العالم ..مقدمة مختصرة "، وفيه توقف مع غالبية القضايا الأممية الساخنة والملتهبة ، وكذا المتفجرة حول بقاع وأصقاع العالم وقد توقف في أحد فصول الكتاب عند ملامح ومعالم النظام العالمي الليبرالي"، بوضعه الحالي ومآلاته المستقبلية. ما الذي ترائ لهاس وإلى أي حد ومد يمكن أن تصدق قراءته ؟

يعني لنا بداية أن نشير إلى أهم الركائز التي قام عليها النظام العالمي الليبرالي، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية بنوع خاص، وفي مقدمها الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ثم تأتي لاحقا الإتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة أو الجات، والتي كانت مقدمة لمنظمة التجارة العالمية .

تبدو أحجار زاوية النظام الليبرالي العالمي وعن حق في مواجهة عواصف عاتية، وقد أخفقت كثيرا في مواجهة أجواء وأنواء ما بعد الحداثة، وسواء تعلق الأمر بطروحات فكرية ونظرية، أو مواجهات مادية على الأرض، من نوعية ملاقاة خطر جائحة مثل كوفيد 19، والتي فشلت منظمة الصحة العالمية، كإحدى روافد الأمم المتحدة، في مجابهتها، أو على الأقل التنسيق عالميا للإنتصار عليها، وبات العالم جزر منعزلة، ولا يزال السر خافيا عن الكثيرين .

عطفا على ذلك، فشلت الأمم المتحدة في تحقيق الهدف الرئيس الذي نشأت من أجله، أي منع نشوب الحروب، و الحفاظ على السلم والأمن الدوليين في أعلى درجاتهم، وهذا بدوره لم يتحقق، وليس أدل على ذلك من حالة التيه الأممي في مواجهة النزاع بين موسكو وكييف فلا الأمين العام غوتيريش لديه قواته المسلحة فائقة الطبيعة، والقادرة على وقف المعارك، ولا يمتلك في الوقت عينه قدرة طهرانية يوتوبية، تجلها الأطراف المتصارعة، وترى فيها مثالا للنزاهة والقداسة ما يدفعهما للعودة أدراجهما عن عالم الشرور والحروب.

يقطع هاس بأن النظام العالمي الليبرالي آخذ في التآكل الآن، نتيجة لضعف القوة النسبية لأمريكا، وعدم رغبتها المتزايدة في القيام بدورها التقليدي في العالم ...ما مدى صحة هذا الحديث؟

غالب الأمر أن ذلك كذلك، فأمريكا تعاني من حالة ضعف تسببت فيها عوامل عدة، منها موعد دفع فاتورة أكلاف الإمتداد الإمبراطوري من جهة، والعثرات الإقتصادية منذ العام 2008، عطفا على تفكك واضح في النسيج المجتمعي للدولة من جهة أخرى .

وبالإضافة إلى الضعف الأمريكي الداخلي، طفت على السطح الأممي عوامل خارجية، منها تصاعد الصين وموقعها على الخريطة الأممية بصورة تختصم كثيرا من مربعات النفوذ الأمريكي .

هاس يرى أن روسيا بدورها تلعب دورا هادما في الوقت الحاضر، يعرض النظام الليبرالي العالمي للخطر، وهي رؤية تتسق والفوقية الأمبريالية الأمريكبة التقليدية، تلك التي لا تأخذ في عين الإعتبار تاريخ وحضارة ، بل وكرامة الشعوب السلافية والتي عرفت مذلة تدخلات الناتو في حياتها منذ سقوط الإتحاد السوفيتي قبل ثلاثة عقود.

يهتز المعبد الليبرالي العالمي من جراء عوامل أخرى لم يأت هاس عليها ، وربما يكون في متنها ما يهدد بحرب كونية نووية جديدة، حرب لا تبقي ولا تذر ، لا سيما بعد الفشل الذي لحق بالمؤتمر العاشر لعدم إنتشار الأسلحة النووية، والذي لم يتم التوصل فيه إلى توافق في الآراء بعد 26 يوما من المفاوضات في نيويورك، ما يفيد بأن إحتمالات المواجهة النووية تتعزز وتقوى يوما تلو الأخر، وبخاصة في ظل سخونة الرؤوس ما بين روسيا والصين من جهة، والناتو من ناحية ثانية.
يلامس هاس عصبا عاريا كفيلا بتغيير الأوضاع وتبديل الطباع ، من عالم ليبرالي ، إلى أخر شمولي وخطير، وعنده أن عودة ظهور القوميات العرقية، والأخرى الحصرية النافية لحقوق الغير ، قاد إلى تقويض النظام الليبرالي الحالي، فعندما تتحول القومية إلى مغالاة في الوطنية ، ومعاداة للدول الأخرى ومواطنيها ، تصبح خطيرة وتقوض النظام ،كما أنها تؤدي إلى سياسة خارجية عدوانية ، وإيجاد ذريعة للتدخل نيابة عن مجموعة عرقية، ذات صلة تاريخية، من مواطني دولة أخرى.
هل أتسع الخرق على الراتق ؟

غالبا الأمر كذلك ، لا سيما بعد أن باتت وسائط التواصل الإجتماعي تشكل عالما إفتراضيا قائما بذاته، تمخر فيه الافكار الرؤى والبدائل ، الإيجابي منها والسلبي، ما يعني وجود عالم إفتراضي أخر مستقل، يعمل بالتوازي مع العالم الحقيقي، يوجهه ويؤثر في سلوكياته، يصنع صيفا أو شتاء كما يحلو له.

لا تبدو هناك رؤية واضحة للغد، ولا لأي نظام يحل محل الليبرالية والراسمالية ، لكن حكما ستكون هناك نقطة مفصلية بعدها يستنهض التاريخ وقته ، ليثب إلى جهة ما، فالحياة لا تتوقف والديالكتيك العالمي صراع متجدد، فيما الجزئية المقلقة لكافة المراقبين والمهمومين بحركة التاريخ ومساراته موصولة بما إذا كان الوصول إلى هذه النقطة سيتم سلما كما الحال بعد سقوط الإتحاد السوفيتي أم حربا كما حدث في نهاية الحرب العالمية الثانية.

الليالي حبلى بالمفاجآت.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إستشرافات هاس ومستقبل النظام الليبرالي إستشرافات هاس ومستقبل النظام الليبرالي



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib