واشنطن – بكين من كيسنجر إلى بلينكن

واشنطن – بكين.. من كيسنجر إلى بلينكن

المغرب اليوم -

واشنطن – بكين من كيسنجر إلى بلينكن

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

مع نهاية الأسبوع الجاري، يتوجه وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى الصين، في أول زيارة لمسؤول أمريكي كبير منذ العام 2018، وهي الزيارة التي كان مقررا لها شهر فبراير/شباط الماضي، غير أنها قد أرجئت إثر أزمة المنطاد الصيني الذي حلق فوق سماوات أمريكا.


يتساءل المراقبون: ما الهدف من زيارة بلينكن، وهل من وجه شبه أو مقارنة بينها وبين زيارة كيسنجر في أوائل سبعينات القرن المنصرم؟

ربما لا يعيد التاريخ نفسه، كما يقول كارل ماركس، لكن أحداثه تتشابه كما يذهب إلى ذلك الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين .

قبل خمسة عقود مضى ثعلب السياسة الأمريكية وبطريركها إلى الصينيين، بهدف واضح لم يكن ليغيب عن عينيه، وهو محاولة إبعاد الصين قدر الإمكان عن الاتحاد السوفياتي، لتعزيز مواجهة الناتو لحلف وارسو .

لا يخلو المشهد اليوم من تشابه، حيث التعاون الروسي الصيني قائم على قدم وساق، والتنسيق على المستوى الاقتصادي متقدم جدا، عطفا على الرفض الصيني لدعم الغرب لأوكرانيا عسكريا .

 غير أن هناك تطورات مثيرة على ساحة الأحداث ما بين واشنطن وبكين، ربما تمثل فخ ثيوسيديديس، وتفتح أبوابا لمواجهة عسكرية يتجنبها الطرفان .
ما الجديد في المشهد الصيني الأمريكي؟

 مرة ثانية العودة إلى أحداث التاريخ، مع تبديل في الأدوار، فما كان يقوم به السوفيات في الستينات، يرى الأمريكيون أن الصينيين يفعلونه اليوم، وعلى رقعة الشطرنج الجغرافية الكوبية مرة أخرى .

 باختصار غير مخل، والعهدة على صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، تبدو الصين وقد توصلت إلى اتفاق سري مع كوبا على إقامة منشأة تنصت إلكتروني في الجزيرة، الأمر الذي يعد تحديا جيوسياسيا غير مسبوق .

المنشأة التي تناولتها الصحيفة الأمريكية، تقع على بعد 100 ميل من فلوريدا، ويمكنها أن تلتقط الاتصالات الإلكترونية في جميع أنحاء جنوب شرق الولايات المتحدة، حيث العديد من القواعد العسكرية، ومراقبة حركة السفن الأمريكية .

يقول الرواة أن الصينين دفعوا مليارات الدولارات للكوبيين، والذين يعانون من أزمات اقتصادية طاحنة منذ زمان وزمانين، لبناء محطة التنصت هذه.

يلفت النظر أول الأمر التغير النوعي والكمي في أسلحة المواجهة، وطريقة التفكير المغايرة بين البلاشفة في أول القرن العشرين، وبين أحفاد كونفوشيوس في القرن الحادي والعشرين.

البلاشفة الروس، وقف بهم التفكير عند حدود القوة العسكرية الخشنة، أما الصينيون، فيمضون وراء "صن تزو"، والذي يعتبر أن الحرب فن، وأنها تعتمد على معلوماتك ومعرفتك بالعدو أول الأمر، وقبل أن تمضي في مواجهته أو مجابهته عسكريا.

 في أوائل ستينات القرن الماضي، تراجع السوفيات عن نشر صواريخهم بعيدة المدى، والتي كانت على بعد نفس مسافة محطة التنصت من فلوريدا، وإن أجبروا الأمريكيين على فك قواعد مماثلة في تركيا، ما يعني أنهم اعترفوا بالفعل بوجود تلك القاعدة، وقد كانت الصواريخ ماضية في البحر لتنشر هناك، وبدا وقتها احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة أمر قريب للغاية .

 اليوم يبدو الأمر مغايرا بعض الشيء، ذلك أن الصينيين ينكرون قيامهم بتلك المهمة، ويعتبروا أن واشنطن تلاحق الأوهام بحسب تعبير الخارجية الصينية .
 أين الحقيقة؟

 بحسب المثل السائد في اللغة اللاتينية، هي في موقع متوسط، ما يعني احتمال وجود عمل صيني ما على الأراضي الكوبية هدفه الاقتراب من الولايات المتحدة للحصول على المعلومات العسكرية والاقتصادية دفعة واحدة.

 تبدو قصة المواجهة بين واشنطن وبكين، غير بعيدة عما جاء في كتاب تاريخ "الحروب البيلوبونيزية" للمؤرخ الإغريقي "ثيوسيديديس" ( 460-395) ق.م، وفيه حديث مطول عن الصراع الذي وقع بين أثينا القوة الصاعدة، وإسبرطة القوة الأبرز والمهيمنة عسكريا في تلك الحقبة .

اليوم يمكن ترجمة المشهد من خلال الصراع المتوقع حكما بين الصين القوة القطبية القادمة، والولايات المتحدة الأمريكية القطب المنفرد بمقدرات العالم .

لا تبدو الصين متعجلة الصراع المسلح مع الولايات المتحدة الأمريكية، غير أنها تدرك إدراكا عميقا أن المجابهة قادمة لا محالة، سيما في وجود أكثر من بؤرة صراع مرجحة لأن تكون شرارة الحرب القادمة بين القطبين الكبيرين .

 يمكن النظر بداية إلى منطقة بحر الصين الجنوبي، حيث تعتبرها واشنطن مياه إقليمية بينما الصين تقوم ببناء جزر صناعية فيها، عطفا على أزمة مرور القطع البحرية الأمريكية، وقد كادت اشتباكات مسلحة تحدث في الفترة الأخيرة بين البحريتين الصينية والأمريكية .

أضف إلى ذلك المواجهة المفتوحة في جزيرة تايوان، حيث تعتبرها الصين جزءا من الوطن لا بد من عودته، فيما واشنطن تدعم التايوانيين الساعين في طريق الانفصال .

أكثر من ذلك تبدو مياه المحيط الهادئ مرشحة لمجابهات مسلحة واسعة، سيما بعد تزويد واشنطن لأستراليا بغواصات نووية متقدمة، قادرة صواريخها على أن تهدد كبريات المدن الصينية .

 ما الذي يحمله لبنيكن في جعبته لبكين، وهل سيوفي له النجاح كما فعل مع كيسنجر أم سيخلفه؟

 الشاهد أن هناك في الداخل الأمريكي من يرى ضرورة الحفاظ على العلاقات مع الصين لترابط الاقتصادين معا، وحال الحرب كلاهما سيعد خاسرا .

 لكن على الجانب الآخر هناك من العسكريين الأمريكيين ما يقطع بأن تصاعد مقدرات الصين عسكريا، أمر لا يصب في صالح أو مصالح الولايات المتحدة مستقبلا، وعليه فإن تكلفة المواجهة في الحال، قد تكون أقل من أضرارها في الاستقبال.

هل سيجنب بلينكن واشنطن وبكين فخ ثيوسيديديس؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن – بكين من كيسنجر إلى بلينكن واشنطن – بكين من كيسنجر إلى بلينكن



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib